الأحد، 24 فبراير 2013

الصيرفة الشاملة كمدخل لمواكبة مستجدات الصناعة المصرفية




الصيرفة الشاملة كمدخل لمواكبة مستجدات الصناعة المصرفية
وتأهيل المصارف الجزائرية
 
الـمقدمـة :
      عرف القطاع المالي العالمي خلال السنوات الأخيرة العديد من التحولات الجذرية الهامة أفرزتها العولمة المالية، ودعت إلى ضرورة المواكبة والتكيف كمتطلبات أساسية وذلك لما كان لها من تأثير كبير على القطاع المالي والمصرفي أبرزها وأهمها تحرير تجارة الخدمات المالية والمصرفية، والتطورات التكنولوجية، وتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي، والتكتلات المصرفية، والأخذ بمفهوم الصيرفة الشاملة، و زيادة حدة الضغوط التنافسية بين المتدخلين في السوق المصرفية بتقديم تشكيلة متنوعة من الخدمات المصرفية بجودة عالية وتكاليف منخفضة.
       واكتسب مدخل الصيرفة الشاملة أهمية كبيرة في الدول الأوربية ثم انتشر  إلى بقية دول العالم المتقدم وامتد إلى الدول النامية تحت تأثير عوامل متعددة داخلية وخارجية، وتم الأخذ بمفهوم البنوك الشاملة التي تمثل  حدودا فاصلة بين وظائف البنوك التجارية والاستثمارية وتخرج عن النطاق التقليدي، وتقوم على إستراتيجية التنويع في الخدمات المصرفية بما يتلاءم واحتياجات العملاء وفق صيغ تمويلية متنوعة شبيهة بنشاط البنوك والمؤسسات المالية المنافسة في السوق المصرفية.
والنظام المصرفي الجزائري كغيره من الأنظمة المصرفية يواجه تحديات عميقة ومتباينة جراء الانفتاح المالي والتحرير المصرفي الذي يدعوا إلى إزالة كافة القيود والحواجز عن الأنشطة المصرفية، وكذلك منافسة البنوك الأجنبية للبنوك المحلية والتي زادت حدتها أكثر خلال السنوات الأخيرة، فكان من الضرورة القصوى التي تمليها المتغيرات المصرفية أن تتبنى إدارات المصارف الجزائرية إستراتيجيات مناسبة لمواجهة هذه التحديات بهدف ضمان بقاءها ونموها في السوق المصرفية، ولعل من أهم هذه الخيارات التي يمكن أن تأخذ بها لتأهيل القطاع المصرفي ومواكبة مستجدات الصناعة المصرفية وبالتالي تحقيق الميزة التنافسية التي تسعى إليها كل مؤسسة مصرفية تبتغي استمرارها وتفوقها وهي ما يعرف بـ" الصيرفة الشاملة".
وفق هذا السياق نتساءل ما المقصود بالصـيرفة الشاملة؟ وماهي إستراتيجياتها؟
         ما تقييم أداء المصارف الجزائرية؟ وإلى أي مدى هي مؤهلة لمواكبة خيار الصـيرفة الشاملة؟
وبغية الإجابة على التساؤلات المقدمة تمحورت جوانب هذه المداخلة البحثية في النقاط التالية:
       0 الصيرفة الشاملة: مفهومها، وأسسها.
       0 إستراتيجية التحول نحو خيار الصيرفة الشاملة.
       0 تأهيل المصارف الجزائرية ضمن مفهوم الصيرفة الشاملة.
أولا: الصيرفة الشاملة: مفهومها، وأسسها
     أمام التغيرات الاقتصادية والمصرفية اتجهت البنوك إلى التحول نحو الصيرفة الشاملة تماشيا مع التطورات الراهنة، كتنظيم مصرفي جديد لمواجهة قوى التغيير المصرفية وتحدي المنافسة بدرجة هامة، والاندماج في السوق العالمية...، وفيمايلي نتناول مفهوم البنوك الشاملة، وأسباب ظهورها، والوظائف التي تقدمها، ومزايا وإيجابيات البنوك الشاملة ضمن النقاط التالية.
1.      مفهوم البنوك الشاملة :
     يعرف عبد المطلب عبد الحميد البنوك الشاملة "Banque Universelle" بأنها "تلك الكيانات المصرفية التي تسعى دائما وراء تنويع مصادر التمويل وتعبئة أكبر قدر ممكن من المدخرات من كافة القطاعات، وتوظيف مواردها وتفتح وتمنح الائتمان المصرفي لجميع القطاعات، كما تعمل على تقديم كافة الخدمات المتنوعة والمتجددة التي قد لا تستند إلى رصيد مصرفي بحيث نجد أنه تجمع ما بين وظائف البنوك التجارية التقليدية، ووظائف البنوك المتخصصة وبنوك الاستثمار والأعمال". (1)
     وفي مفهوم آخر لرشدي صالح عبد الفتاح صالح "هي البنوك التي تقدم مجموعة من الخدمات المالية المتنوعة التي تشمل على أعمال قبول الودائع، ومنح القروض، والاتجار والتعامل بالأدوات المالية، وبالعملات الأجنبية ومشتقاتها، وتعهد الإصدارات الجديدة من ديون وحقوق ملكية، والقيام بأعمال الوساطة على تنوعها، وإدارة الاستثمارات، وتسويق المنتجات الصناعية والتأمين".(2)    
     ويعرف طارق عبد العال حماد البنوك الشاملة من خلال إستراتيجيتها على أنها "البنوك التي تقوم على فلسفة التنويع بهدف الموازنة بين السيولة، والربحية، والأمان، إضافة إلى أنه يسمح للبنوك بالتعامل في الأدوات الحديثة ومواكبة التطورات التكنولوجية." (3)
من مجمل المفاهيم المقدمة نستخلص المفهوم التالي:
يقصد بالبنك الشامل على أنه البنك الذي يوم على فلسفة التنويع في الخدمات التي يقدمها، وذلك بتنويع مصادر التمويل ومجالات الاستثمار من مختلف القطاعات، فهو يقوم بأعمال كل البنوك التجارية وبنوك الاستثمار والأعمال، والبنوك المتخصصة، وبذلك يجمع بين الأنشطة التقليدية المتمثلة في قبول الودائع ومنح الائتمان، وأنشطة غير تقليدية تتماشى والتطورات الحالية من خلال إستراتيجية التنويع.
ولعل من أهم سمات هذه البنوك والتي تميزها عن غيرها تتمثل في: (4)
-   الشمول مقابل التخصص المحدود.
-   التنوع مقابل التقيد.
-   الديناميكية مقابل الإستاتيكية.
-   الابتكار مقابل التقليد.
-   التكامل والتواصل مقابل الانحسار.
2.      دوافع وأسباب ظهور البنوك الشاملة :
ترجع فكرة انتشار الصيرفة الشاملة إلى مجموعة من الأسباب نذكر أهمها فيمايلي:
§     تحرير تجارة الخدمات المصرفية: تعتبر الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات أحد النتائج الهامة التي أسفرت عنها جولة الأورجواي، والتي كشفت بعد مفاوضات استمرت إلى ثماني سنوات عن عدة نتائج هامة من أهمها إنشاء منظمة التجارة العالميةOMC  في جانفي1995، وتوقيع الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات GATT بموافقة 70 دولة عام 1997 وتم تطبيق الاتفاقية عام 1999، وشملت الاتفاقية تحرير الخدمات المالية والمصرفية.
§     التقدم التكنولوجي: كنتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي في وسائل الإعلام والاتصال، وثورة الحاسبات الآلية أدى ذلك إلى سرعة تبادل المعلومات فيما بين البنوك والعملاء، وبين البنوك والسوق، وبين البنوك وقطاعات الإنتاج والخدمات دون حواجز أو قيود، وهو ما ساهم في فتح مجالات لا نهائية للتمويل والاستثمار وتهيئة المناخ والظروف لظهور البنوك الشاملة التي حققت نجاحات كبيرة في الدول المتقدمة.
§     ظهور مستحدثات وأدوات مالية جديدة : وتتمثل في الأدوات البنكية التالية :
-   التجارة الإلكترونية : Commerce Electronique
تسمح التجارة الإلكترونية للمصارف من تسويق وتوزيع منتجاتها العادية وخدمات الاستثمار لعملائها عن طريق الإنترنت، كما يمكن طرح منتجاتها بكل مواصفاتها ومعلوماتها عبر الانترنت مما يزيد من عدد المتعاملين، ويقلص من حجم النفقات، ومن جهة يساهم البنك كذلك في هذه العملية بإصدار بطاقات إلكترونية خاصة بالعملاء للتحويل والتسديد، ويكون ضامنا لحق التاجر في سداد قيمة الصفقات التجارية
-       القروض المشتركة : Crédits Communs
هي نوع من القروض ذات قيمة ومخاطر كبيرة، تشترك في تقديمها عدة بنوك، تخص هذه القروض  تمويل العمليات الكبيرة ذات المبالغ الضخمة، وبالتالي تعد أداة هامة لتوفير الاحتياجات التمويلية.
-       شهادات الإيداع : Certificats de Dépôts
هي وثيقة قابلة للتداول، يصدرها البنك بعد إيداع مبلغ من المال مودع بسعر فائدة معينة لمدة محددة تزيد أو تقل عن ستة أشهر.
-       المشتقات : Dérivées
هي عقود مالية تتنوع بحسب طبيعتها، ومخاطرها، وآجالها المتراوحة بين 30 يوم وسنة، ومن أهم هذه العقود  نذكر:
-       عقود الخيار : Contrats par Option
-       العقود الآجلة : Contrats à Terme
-       العقود المستقبلية : Contrats Futures
§     زيادة حدة المنافسة: تعتبر المنافسة دافعا قويا لتطوير البنوك والتحول نحو البنوك الشاملة، وقد ازدادت حدة  المنافسة أكثر بدخول مؤسسات مالية غير مصرفية ومؤسسات أخرى غير مالية كالشركات الصناعية، والتجارية، وشركات التأمين التي تقدم  شبيهة لخدمات البنوك التجارية، وتوسع نشاطها أكثر عن طريق عدة قنوات مثل قيام "شركةSONY " بإنشاء بنك افتراضي لتقديم خدمات الإقراض على الإنترنت على الموقعwww.sony.com  وكذلك قيام "شركة أمريكا On Line " بإنشاء بنك افتراضي سنة 1966 بعد أن ضمت إليها City Bank- Bank of American- Bank of California”  " وأقامت شراكة مع بنك إلكتروني سنة 1999 لإصدار بطاقات إلكترونية وتقديم القروض، وتشير أحدث الإحصائيات في الولايات المتحدة أن الشركات الكبيرة صناعة السيارات، وشركات تجارة الاستهلاك الكبيرة مثل "SEARS" وشركات صناعة الكهربائيات والإلكترونيات مثل  General Electric, IBM" وغيرها يقدمون: (5)
-         التمويل المباشر بما قيمته 1.2 تريليون دولار أي حوالي 1/3 أوراق الدين الكلية.
-        25% من القروض التجارية التي بلغت 550 مليار دولار.
-        2/5 القروض الاستهلاكية التي بلغت 606 مليار دولار.
هذا في حين تقدر حصة البنوك التجارية بـ 50% فقط من النسب السابقة وتستأثر شركات التأمين بالنسبة الباقية.
§     المخاطر المصرفية وقرارات لجنة بازل: في ظل تصاعد حدة المنافسة بين المتدخلين في السوق المصرفية وزيادة نسبة المخاطر المحتملة التي قد تنشأ من العوامل الداخلية التي تتعلق بنشاط وإدارة البنك وكذلك العوامل الخارجية الناتجة عن تغير البيئة التي يعمل فيها البنك وعلى وجه الخصوص البيئة العالمية، أدى ذلك إلى الاهتمام بمعايير كفاية رأس المال في البنوك فقامت لجنة بازل الدولية(*) بإصدار مجموعة من المعايير لوضع حدود دنيا لرأسمال البنك لمقابلة مخاطر الائتمان بغية الحفاظ على استقرار النظام المصرفي العالمي،  خاصة بعد تفاقم أزمة الديون الخارجية في الدول النامية بسبب توسع البنوك الدولية خاصة الأمريكية منها في ديون منفردة أو معدومة وهو ما دفع البنوك إلى تنويع أنشطتها وتملك أصول حقيقية.
§     الشركات متعددة الجنسيات: هي شركات عالمية النشاط وتعتبر في كل معانيها أحد السمات الأساسية  للعولمة، ويظهر تأثيره واضح على الاقتصاد العالمي في شكل استثمارات ضخمة، تكنولوجيا متطورة، خبرات تسويقية وإدارية، ويضاف إلى ذلك الأصول السائلة من الذهب والاحتياطات النقدية، ويمثل عدد البنوك متعددة الجنسية الكبيرة والتي تهيمن على الاقتصاد العالمي حوالي 14شركة تمويل متعددة الجنسية والتي تؤثر في الأسواق المالية من خلال: (6)
-       زيادة المعروض العالمي لرؤوس الأموال.
-       تعزيز التنمية المالية المحلية التي تحسن من كفاءة التخصص وخلق أدوات مالية جديدة مع زيادة الخدمات المصرفية.
§     الخصخصة: تعد الخصخصة (الخوصصة) من أهم الدوافع للوصول إلى تطبيق مفهوم البنوك الشاملة، وتقليل معدلات المخاطرة، وتساهم الخصخصة في تنشيط سوق الأوراق المالية، وتوسيع قاعدة الملكية، وزيادة المنافسة في السوق المصرفية، وتحسين الأداء الاقتصادي، وتحديث الإدارة، وزيادة كفاءة أداء الخدمات المصرفية، بالإضافة إلى إعطاء المزيد من الحرية للإدارة المصرفية في اتخاذ القرارات الإدارية الاستثمارية وتجميع الموارد ودعم أسواق المال والنقد. 
§     حركات الاندماج: عرفت الصناعة المصرفية في السنوات الأخيرة تحت تأثير العولمة نتيجة تحرير تجارة الخدمات المصرفية واتفاقية بازل لكفاية رأسمال البنوك حركات اندماج بين البنوك بمعدلات كبيرة وبأحجام مختلفة ترتب عنها تكوين كيانات مالية ضخمة قادرة على النمو والتوسع وفتح فروع جديدة في الداخل والخارج، وبالتالي تعزيز قدراتها التنافسية، وكذلك توسيع قاعدة العملاء، وتقديم خدمات متنوعة.
3. وظائف البنوك الشاملة:
ترجع أهمية البنوك الشاملة إلى الوظائف التي تقوم بها سواء كانت وظائف تقليدية تقدمها البنوك التجارية، وبنوك الاستثمار والأعمال، والبنوك المتخصصة، أو أنشطة أخرى متنوعة وواسعة التشكيلة، والتي يتوقف عليها إسهامها في تحقيق ودفع عملية التحول التنموي والتطوير الاقتصادي، على هذا الأساس تستند الصيرفة الشاملة على فلسفة التنويع التي جاء بها  "هـاري مـاركـوتز"، والتي تقوم على تنويع البنوك لأنشطتها وكذا مواردها بهدف استقرار حركة الودائع وتخفيض مخاطر الاستثمار، لذلك يمكن توضيح الإطار العام لإستراتجية التنويع في البنوك الشاملة على النحو التالي:
1.3. تنويع مصادر التمويل:
تقوم البنوك الشاملة بالعديد من الأنشطة في التمويل لعل من أهمها نذكر:
أ‌-     الوظائف المصرفية التقليدية : وتتضمن صورا عديدة للخدمة المصرفية أهمها :
§     تسيير الحسابات الجارية بالعملة الوطنية والأجنبية.
§     التحويلات المصرفية الداخلية والخارجية، والقيام بإصدار الشيكات السياحية وعمليات الكامبيو.
§     إصدار شهادات الادخار بالعملة المحلية والأجنبية.
§     منح تسهيلا ائتمانية، وتمويل التجارة الخارجية.
ب‌- الوظائف المصرفية غير التقليدية : والتي يمكن حصرها في المجالات التالية : (7)
§     إصدار شهادات الإيداع القابلة للتداول والتي يمكن لحاملها شرائها وبيعها في أسواق النقد دون الرجوع للبنك الذي أصدرها.
§     الاقتراض طويل الأجل من خارج الجهاز المصرفي في شكل إصدار سندات في أسواق رأس المال، أو بالاقتراض من شركات التأمين والمؤسسات المالية.
§     اتخاذ البنوك الشاملة شكل شركات قابضة مصرفية "Holding " تضم إليها شركات صناعية، وتجارية، ومالية بغية تنويع مصادر التمويل وزيادة الموارد المالية.
§     التوريق "Securitzation " ويسمى أيضا بالتسنيد ويقصد به تحويل الأصول غير السائلة (القروض) إلى أوراق مالية قابلة للتداول في صورة أسهم أو سندات، مما يعطي للدائن فرصة ترويج قروضه بعد تحويلها إلى أوراق مالية في البورصات المالية، وبالتالي تنشيط سوق المال ومثال ذلك قروض الإسكان، ومن مزايا التوريق خفض تكلفة الاقتراض قياسا بطرق التمويل التقليدية وبالتالي التحول من صيغ الإقراض التقليدية إلى صيغ وأدوات جديد وهي الأوراق المالية.
2.3. التنويع في مجال الاستثمار: وذلك من خلال عدة جوانب تتمثل أهمها :
§     تنويع محفظة الأوراق المالية أين تضم تواريخ استحقاق مختلفة، وشركات ذات أنشطة متنوعة تكون درجة ارتباطها ضعيف بما يضمن درجة مخاطر منخفضة.
§     تنويع القروض الممنوحة من قروض قصيرة، ومتوسطة، وطويلة الأجل، وتنويع تواريخ استحقاقها، والشركات التي تقدم لها القروض.
§     الدخول في مجالات استثمارية جديدة من خلال: (8)
-    الإسناد: و يعني شراء الأسهم المصدرة حديثا من الشركة المصدرة لها بغرض ترويجها وبيعها للآخرين مع تحمل الأعباء المحتملة نتيجة لانخفاض السعر خلال مدة حيازتها لها وقبل الانتهاء من تسويقها، وفي المقابل يحصل البنك على كافة العمولات والمصروفات الأخرى عند سداده قيمة السهم للشركات المصدرة .
-    التسويق: ويتضمن قيام البنك بتسويق الأوراق المالية لصالح الشركة المصدرة مستخدما في ذلك إمكانياته من خبراء ووحدات متخصصة واتصالات واسعة مع الوسطاء الماليين الآخرين.
-    تقديم الاستشارات: حول الإصدارات الجيدة المتعلقة بنوعية، وتشكيل الأوراق المالية المرغوبة مع عقد المنازعات بتكاليف الأوراق المالية ومردودها ومخاطرها في ضوء الواقع والظروف التي تعيشها الشركات التي قامت بإصدار تلك الأوراق.
3.3.  التنويع بدخول مجالات غير مصرفية: وتقوم إستراتيجية التنويع على القيام بالأنشطة التالية :
§     القيام بنشاط التأجير التمويلي " Leasing " من خلال المشاركة في تأسيس شركات التأجير التمويلي، وإعداد الدراسات اللازمة للتمويل التأجيري، وكذلك القيام بدور المستشار المالي والاقتصادي لأي من الأطراف المشاركة، فضلا عن القيام بعمليات التأجير التمويلي.
§     الاتجار بالعملة في السوق الحاضرة لإتمام صفقات تجارية دولية لصالح مؤسسات بهدف تحقيق عوائد.
§     إصدار الأوراق المالية من أسهم وسندات نيابة عن مؤسسات الأعمال الأخرى وذلك مقابل عمولة.
§     دعم النشاط المالي للعملاء من خلال تقديم الاستثمارات المالية والأعمال التي من شأنها تسهيل أعمال العملاء الخاصة باستثمار أموالهم في السوق والحفاظ على توازنهم المالي، كذلك نجد :
- إنشاء صناديق الاستثمار: حيث تقوم البنوك الشاملة بتكوين صناديق لاستثمار وإدارة ودائع العملاء  مقابل أتعاب محددة تحصل عليها، أما الأرباح والخسائر فهي من نصيب العملاء وحدهم.
-    تأسيس شركات رأس المال المخاطر: تعد شركات رأس المال المخاطر من قنوات التمويل الهامة لما تؤديه من دور حيوي في تقديم الدعم المالي والفني اللازمين للمشروعات الواعدة التي تعمل في مجالات استثمارية عالية المخاطر، في مقابل تحقيق أرباح رأسمالية ذات معدل مرتفع في الأجلين المتوسط والطويل، وتلعب البنوك الشاملة دورا نشطا في هذا المجال باعتبارها الأقدر على متابعة هذا النشاط من خلال شبكة فروعها الواسعة.
-    القيام بعمليات خصم الديون" Factoring": وتعتبر من أهم أعمال الوساطة المالية التي تنصب على تقييم الجدارة الائتمانية للمستورد، حيث يقوم البنك الشامل بشراء الذمم المدينة من كمبيالات، سندات، فواتير...، من المنشآت الصناعية والتجارية والتي تتراوح مدتها ما بين 30 يوم و120 يوم، وذلك بهدف توفير سيولة نقدية لهذه المنشآت دون الحاجة لانتظار تواريخ استحقاقها، على أن تقوم المؤسسة المقدمة لهذه الخدمة بتحصيلها في تاريخ الاستحقاق.
-    تنشيط سوق المال و برامج الخصخصة: بقوم البنك الشامل بالمساهمة في إنشاء الشركات التي تعمل في مجال الأوراق المالية ودعم تطورها، وإدارة محافظ الأوراق المالية لصالح عملائها، كما يقوم أيضا بتقييم الشركات المطروحة للبيع والخصخصة.
4.3. تقديم أنشطة تمويلية مبتكرة :
تسعى المصارف الشاملة إلى ابتكار خدمات مصرفية جديدة تساهم في تحقيق ميزة تنافسية لها، ويشير الابتكار المصرفي في مفهومه على أنه ترجمة الأفكار الجديدة إلى ممارسات عملية تطبيقية، ويتحقق التفوق الإبتكاري لمصرف ما عن دون الآخر وفق نمط الإدارة المصرفية التي تشجع الابتكار أو تتجنبه، وهو ما يمكن توضيحه ضمن المخطط التالي :
إدارة تتجنب الابتكار
-    تثق في قدراتها
-   تخشى التغيير
-   لا تستطيع العمل في ظل عدم  التأكد
 
إدارة تدعم الابتكار
-  تثق في قدراتها
-  ترغب في اقتناص الفرص
-  قادرة على تحمل المفاجآت
-  تسيطر على أفراد البنك

 
شكل رقم (1): مواصفات الإدارة المصرفية التي تشجع الابتكار عن تلك التي تتجنبه
 

العملية الإبتكارية بالبنوك
 
                                   تدعم                                   تتجنب
                                                                                    


المصدر: طارق طه، إدارة البنوك ونظم المعلومات المصرفية، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2000،ص:137.


ومن الاتجاهات الحديثة للخدمات التمويلية المبتكرة التي تأخذ بها البنوك الشاملة نذكر:
§     صيرفة التجزئة" Retail Banking": وتشمل العديد من الخدمات التمويلية التي تشهد توسعا ملموسا من قبل  العديد من البنوك في إطار مزاولتها لأنشطة صيرفة التجزئة، ومن أهم هذه الخدمات مايلي : 
-    البطاقات الإلكترونية: وتمثل حافظة نقدية إلكترونية مخزنة في الهارد ديسك لجهاز الكمبيوتر تسمح بالتسديد الفوري كوسيلة دفع مقبولة، ومن أشكال النقود الإلكترونية نجد بطاقة الدفع، البطاقات الائتمانية، بطاقات الصرف الشهري.
-    تقديم القروض الشخصية: شهدت السوق المصرفية توسعا كبيرا في مجال القروض الاستهلاكية التي تخدم فئات كثيرة من الأفراد العاملين بالقطاع العمومي أو الخاص، وتعمل البنوك الشاملة على توفير التمويل اللازم لأغراض استهلاكية كشراء السيارات، أو الأثاث...، وذلك مقابل شروط ميسرة وبسيطة.
-    التمويل بالرهن العقاري: يعد هذا النوع من الإقراض من أهم خدمات التجزئة المصرفية التي توسعت البنوك الشاملة في تقديمها للأفراد بعد أن كان مقتصرا على البنوك المتخصصة، وفي نطاق ضيق من جانب البنوك التجارية التي تقدمه للشركات العقارية، وتوسعها في هذا النشاط سيزيد من إمكانية تنشيط سوق العقارات ويحقق الرواج المطلوب والدعم الكافي للفئات الخاصة من الأفراد ذوي الدخل المحدود وهو ما من شأنه أن يوفر التمويل اللازم للبنوك ذاتها.
§     نشاط التأمين: يعد التامين من الأنشطة غير المصرفية المبتكرة التي تنشط فيها البنوك الشاملة من خلال شكل تنظيمي لشركة شقيقة تضمها شركة قابضة، حيث تقوم بتقديم خدمات تأمينية على الممتلكات وعلى الأشخاص كالتأمين على العملاء الذين يحصلون على قرض ائتماني في مقابل التزام شركة التامين بسداد أقساط القروض في حالة وفاة المقرض، وذلك مقابل حصول البنك على عمولة من شركة التأمين الشقيقة نظير هذه الأنشطة.
4. إيجابيات البنوك الشاملة :
من خلال عرض وظائف البنوك الشاملة، يتضح ما تقوم به هذه البنوك من أنشطة وما تحققه من مزايا و إيجابيات، لذلك نجد أن الصيرفة الشاملة هي نموذج  الصيرفة ذات الخدمات الكاملة التي تساهم في تطوير المصارف بكفاءة وفاعلية وبأقصى المواصفات من حيث الكلفة والنوعية والوقت والمكان،(9) فهي تعمل على :
o       تحقيق وفورات الحجم في التكاليف.
o       تنويع خبرة العاملين في هذه البنوك، وتنويع تشكيلة الخدمات المصرفية والمالية بما يؤدي إلى كسب شريحة واسعة من العملاء.
o       المساهمة في تنشيط وتشجيع سوق الأوراق المالية، وبذلك تعد البنوك الشاملة رافدا للتمويل الحقيقي للمشروعات الاقتصادية، وتعبئة الموارد اللازمة.
o       توفير عناصر ومقومات ضرورية لعملية التنمية بدءا من دراسة الجدوى، التأسيس، التمويل، الإدارة، التسويق...، والتي تفتقر إليه الكير من الدول النامية.
o       تحقيق التوازن بين الموجودات والمطلوبات، ومن ثم تجنب التعرض للانكشاف بتركيز أنشطته في مجال واحد كالائتمان.
o       تنوع مصادر الإيرادات من خلال ممارستها للوظائف التجارية والاستثمارية.
o       التنويع الهيكلي لمكونات محفظة القروض والاستثمارات، وبالتالي تقليل المخاطر الائتمانية ككل، ومثال ذلك ما يشهده العالم من أزمة مالية تهدد الاقتصاديات المتقدمة وتعكس آثارها على الدول النامية، فالملاحظ حسب المحللين الاقتصاديين في جريدة القبس أن الأزمة غيرت ميزان القوة لصالح البنوك الشاملة تلك التي لديها أذرع لخدمات الأفراد والعمليات الاستثمارية، وقد حقق بنك كولدمان ساكس الأمريكي كبنك شامل يعمل في المجال الاستثماري بإصدار السندات سيولة بلغت 90مليار دولار على حساب نظيره البنك الاستثماري الأمريكي مورغان ستايلي.(10)
ورغم المزايا والإيجابيات التي يمكن أن تحققها البنوك الشاملة، إلا أنه سجل عليها بعض المآخذ متمثلة في النقاط التالية :
o       قد يؤدي إلى خلق الاحتكار ومضاعفة قوة السوق بالنسبة لبعض المؤسسات المالية الشاملة وهذا على حساب المؤسسات والبنوك الصغيرة احتمال تركيز السوق و ممارسته الاحتكار من طرف هذه البنوك.
o       انخفاض حوافز الإبداع و الابتكار المالي نظرا لكثرة و تعدد الأنشطة.
o       إخفاء الأداء الضعيف لبعض القطاعات و الأنشطة نظرا لتغطيتها بقطاعات أخرى.
o       صعوبة الإشراف والرقابة على أداء البنوك الشاملة بحيث هي أكثر تعقيدا.
o       خلق مشاكل تتعلق بالمخاطرة والانكشاف من حيث تفضيل الربحية على السيولة، خاصة في حالة توظيف الموارد المالية في مشاريع طوية الأجل وما قد يحدث من طلبات مفاجئة للعملاء.

ثانيا: إستراتيجية التحول نحو خيار الصيرفة الشاملة
     تخضع عملية التحول إلى البنوك الشاملة لضوابط معينة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية والقانونية، و البيئة المصرفية التي يعمل في إطارها البنك، ووفق ذلك يتم التحول إلى البنوك الشاملة من خلال ثلاث مناهج أساسية.
1.    مقومات التحول نحو خيار الصيرفة الشاملة :
حتى تؤدي البنوك الشاملة وظائفها، لابد من توفر مجموعة من المقومات الهامة والتي تتعلق أساسا بالبنك نفسه من جهة، و بالسياسات التي تتبناها الدولة من جهة أخرى ويمكن توضحيها في النقاط التالية :                                         
1.1.   مقومات مرتبطة بالبنك: وتتعلق أساسا بـ :
·     كفاءة الأداء البشري الذي يشمل كافة الوظائف الفنية والمالية والتسويقية والقانونية والاستشارية والإدارية المتصلة بالنشاط البنكي، و تحكم تكنولوجي في المعلومات التي هي من متطلبات التحول. 
·     توفر موارد مالية ضخمة تسمح للبنك بتقديم خدمات متنوعة لمختلف أنواع العملاء في أي وقت ومكان. 
·     وجود إدارة تسويقية فعالة على مستوى عال من الكفاءة.                                         
·     نشر الوعي المصرفي بصفة عامة لتفهم دور وأهمية البنوك الشاملة.
·    توفر ملاءة مالية كافية تؤهل البنك للدخول في مجال الأعمال المصرفية الشاملة، ممثلة في حجم رأس المال الكافي والاحتياطات.
2.1.  مقومات مرتبطة بسياسات الدولة:  وتنطوي على السياسات الحكومية التي تتبناها الدولة من خلال:              
·     اقتناع الدولة وسلطاتها الوصية بفكرة البنوك الشاملة وأهدافها، والعمل على توفير الدعم المساندة لها.
·     إصدارا تشريعات تخدم هذه البنوك على نحو فعال، ووضع ضوابط رقابية قادرة على توفير الأمان والسلامة.
·     دعم البنك المركزي ومساندته لهذه البنوك على أداء رسالتها لتحقيق التنمية الاقتصادية.
2.   آليات التحول إلى البنوك الشاملة :
مع التحولات العالمية في مجال الصناعة المصرفية أضحى من الضروري على البنوك إدراك البنى التحتية لها وتبني إستراتيجيات تسمح لها بالنمو بالشكل الذي يسمح بتقديم خدمات مصرفية متكاملة، ومتسقة مع الأوضاع والإمكانيات المتوفرة لدى البنك، ومتوافقة مع مستجدات الصناعة المصرفية، والبنوك الشاملة هي مدخل إداري تنظيمي جديد يقوم على فلسفة التنويع في الأنشطة المقدمة، ويمكن التحول إلى هذا الخيار من خلال عدد من المناهج تتمثل في الصور التالية :
v    المنهج الأول: تحويل بنك قائم بالفعل إلى بنك شامل
عن طريق هذا المنهج يتم تحويل بنك قائم بالفعل أو بنك متخصص إلى بنك شامل، ويشرط لهذا التحول أن يكون للبنك كفاءات بشرية مؤهلة قادرة على التكيف مع متطلبات البنك الشامل، وأن يكون البنك كبير الحجم و قابلا للنمو والتوسع، ويعد هذا المنهج الأسلوب الأسرع والأفضل حيث يتم التحول إلى البنك الشامل على مراحل متدرجة وذلك بإدخال خدمات جديدة  تدريجيا لضمان استيعاب تقنيات هذه الخدمات، في الوقت الذي يتم فيه العمل على تطوير التدريب وإعادة الهيكلة التنظيمية، وإصدار اللوائح و النظم الداخلية بما يتفق مع طبيعة الخدمات والأنشطة التي يقدمها البنك الشامل.
v    المنهج الثاني: إنشاء بنك شامل جديد بإعداد كفاءات بشرية
طبقا لهذا المنهج يتم إنشاء بنك شامل جديد من خلال اختيار كفاءات بشرية مؤهلة ومدربة، ولديها القدرة على الابتكار والتجديد بما يتفق ومفهوم البنوك الشاملة، ويتم تدريبها مسبقا في بنوك شاملة قائمة، و يعتمد البنك في ذات المرحلة على القيام بحملات تسويقية و ترويجية للتعريف بالبنك المنشأ والوظائف التي يقوم بها، والملاحظ أن البعض يفضلون المنهج الثاني مستندين في ذلك إلى أن الخدمات المصرفية التي يؤديها البنك الشامل تتميز بطبيعة خاصة يصعب على من اعتادوا الأنماط التقليدية للعمل المصرفي  قبولها واستيعابها بسهولة.(11)
v    المنهج الثالث: شراء أحد البنوك أو الاندماج
يتم التحول من خلال شراء بنوك قائمة تعاني من مشاكل وتوشك على الإفلاس، ين يتم شراءها ودمجها تدريجيا إلى البنوك الشاملة مع تحمل تكاليف إضافية، فهذا الأسلوب صعب التطبيق من الناحية العملية لأنه يتطلب الكثير من الوقت والجهد اللازم لاختبار الموقع والمكان والعناصر البشرية التي تتطلب تدريب على مستوى عال.
ويتم إنشاء كيان مصرفي جديد تتوافر فيه كل الإمكانيات ولديه خطة إستراتيجية طموحة لقيادة السوق وريادته مع وضع خطة للإسراع في ذلك عن طريق:
-         شراء عقارات بعض المصارف الراغبة في الاستغناء عنها.
-         دمج تدريجي لمصرف معين وضم أعماله ومعاملاته الكبيرة الحجم وعملائه، بما يضمن للمصرف الشامل حجم أعمال مناسب، وتحقيق التشغيل المناسب له.
-         الدخول في مشاركات مع مصارف أخرى قائمة رائدة بهدف دمجها فيه مستقبلا.

     وفي تطبيقات البنوك الشاملة نجد نماذج مختلفة، تختلف باختلاف الصلات والعلاقات التي تباشرها البنوك تجاه القطاعات والمؤسسات التي تتعامل معها، ففي كندا وبريطانيا مثلا يكون للبنوك حصص ملكية بمنشآت غير مالية وتمارس نشاطها في تقديم مختلف الخدمات المالية وخدمات الاكتتاب في الأوراق المالية، أما في اليابان وكوريا ومعظم الدول الآسيوية المطلة على المحيط الهادي نجد أن البنوك لها صلات ملكية متشابكة ومعقدة بين البنوك ومؤسسات أخرى من خلال ما يسمى بـ"Keiretsu" أو "Chaebol"(12) والتي تقوم على التمويل المتقاطع بين المؤسسات، أي ملكية البنوك لأسهم مؤسسات أخرى وهذه الأخيرة بدورها لها حصص في نفس البنوك، وفي سويسرا فتتميز البنوك بتكامل الخدمات المالية وتمارس رقابة أكبر على المنشآت غير المالية.
     أما في الدول العربية فتطبيق الصيرفة الشاملة في النظام المصرفي السعودي لقيّ نجاحا نتيجة ضخامة القاعدة الرأسمالية للبنوك، وسيطرة عدد قليل من البنوك الكبيرة على السوق المصرفية وقيامها بإدارة المحافظ المالية، وتأسيس صناديق الاستثمار، وتداول الأوراق المالية، ومن أمثلتها نجد البنك الأهلي التجاري، و بنك الرياض، والبنك العربي الوطني، وبنك الراجحي.
كما اتجهت أيضا البنوك المصرية في السنوات الأخيرة نحو التحول إلى الصيرفة الشاملة، والتوسع في الخدمات الاستثمارية كتأسيس صناديق الاستثمار، والقيام بخدمات أمناء الاستثمار، والتعامل بالأوراق المالية في السوق المالي.

ثالثا: تأهيل المصارف الجزائرية ضمن مفهوم الصيرفة الشاملة
     يعتبر تبني مفهوم العمل المصرفي الشامل بالنسبة للبنوك الجزائرية مدخلا أساسيا في إصلاح المنظومة البنكية، وشرطا هاما في إعطاء حركية كبيرة للقطاع المصرفي والاقتصاد بشكل عام، وتضمن قانون النقد والقرض مفهوم"البنك الشامل" الذي ألغى مبدأ التخصص الوظيفي، وأعطى للبنوك دفعا جديدا نحو التنويع في الأنشطة المصرفية، غير أن الواقع العملي لنشاط هذه البنوك أثبت استمرارها في إتباع نفس السياسات والتوجهات السابقة وهو ما حال دون تطورها ومواكبتها لمفهوم الصيرفة الشاملة.
     وفق هذا السياق سنحاول التركيز على عدة عناصر أساسة تمثل أهم سمات العمل المصرفي الشامل ومدى استيفاء المصارف الجزائرية لهذا المفهوم وإمكانية تطوره، ونقدم بعض المتطلبات لتأهيل المصارف الجزائرية بغية مواكبة مستجدات الصناعة المصرفية والصيرفة الشاملة بصفة خاصة.  
1. مدى تحول المصارف الجزائرية إلى العمل المصرفي الشامل :
1.1. نشاط التأجير التمويلي: أعتمد نشاط التمويل التأجيري في الجزائر بمقتضى الأمر رقم 96-09 المؤرخ في10جانفي1996، الأمر الذي سمح بتوفير إطار قانوني لممارسة نشاط التمويل الإيجاري للمنقولات والعقارات، ليكرس التطبيق الميداني لمواد قانون النقد والقرض 90-10 الصادر سنة 1990 (المادتين 112،116)، وعرفه المشرع الجزائري على أنه عملية تجارية ومالية يتم تحقيقها من قبل البنوك والمؤسسات المالية أو شركات تأجير مؤهلة قانونا ومعتمدة صراحة، تقوم على عقد إيجار يتعلق بأصول منقولة أو غير منقولة، ويمارس نشاط التمويل التأجيري في الجزائر عدد قليل من الشركات حديثة النشأة، وتعد "شركة سلام"  "  SALEMأول شركة تأجير أنشأت سنة1997 بمقتضى الأمر96-09 المؤرخ في 10/10/1996 الخاص بالاعتماد الإيجاري، ويقدر رأسمالها الاجتماعي بـ 200 مليون دينار جزائري  مقسم إلى 2000 سهم اسمي بقيمة 100.000 د.ج للسهم، مقسم بين '' BANQUE  CNMA" بـ90% والشركة القابضة الميكانيكية بـ10%  التي انسحبت في 19/12/1999 وبقيت BANQUE  CNMAالمساهمة الوحيدة في شركة سلام.
إضافة إلى شركة القرض الإيجاري العربي للتعاون" Arab Leasing Corporation(ALC)" التي أعتمدت من طرف بنك الجزائر في ديسمبر 2001 برأسمال اجتماعي  يقدر بـ758.000.000 د.ج موزع على سبعة مساهمين هم بنك المؤسسة المصرفية الجزائر 34%، الشركة العربية للاستثمار 25%، المؤسسة المالية الدولية 07%، الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط 20%، ديجيمكس09%، الجيمتكو4.999%، رحمون إسماعيل 0.001% (13)، واستجابة لمتطلبات السوق الجزائرية وحاجياته الاقتصادية بادر بنك البركة الجزائري سنة 2006 إلى إجراء مفاوضات مع الشركة الدولية للإجارة والاستثمار والتي تعد شركة مساهمة كويتية تأسست سنة 1999 كشركة استثمارية تلتزم بأنشطة الإجارة والاستثمار والخدمات الاستشارية الإدارية وفق مبادئ الشريعة الإسلامية وذلك لتأسيس "شركة للإجارة المالية" (ليزينغ) تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية مع أن لا يقل رأسمال هذا النوع من الشركات عن 2,5 مليار دينار أي حوالي 30 مليون دولار وفق القانون الجزائري، وتقوم شركة الإجارة بعمليات تمويل تخص استئجار الأملاك المنقولة والعقاري، كما تقوم أيضا بشراء عقارات بهدف تأجيرها للعملاء مقابل سعر إيجار لمدة يتفق عليها الطرفان وينتهي العقد بنقل الملكية من الشركة إلى المستفيد منها مقابل تسديد القيمة المتبقية من أقساط الإيجار.
2.1. صناديق الاستثمار: صدر أول قانون منظم لصناديق الاستثمار في أمريكا سنة 1940، ثم توالى ظهورها في إنجلترا سنة1936، وألمانيا سنة1950 ثم انتشرت بقوة في الدول الأوروبية، وتوسع نشاط صناديق المعاشات بتوظيف الموارد المتجمعة لديها في أوراق مالية قليلة المخاطر وثابتة العائد وهو ما زاد من توسعها أكثر حيث بلغ عددها الآن في أمريكا أكثر من 5000 صندوق صافي أصولها 50مليار دولار(14)، وتعرف صناديق الاستثمار على أنها وسيط مالي يهدف إلى استثمار أموال صغار المدخرين في الأوراق المالية نيابة عنهم وتحقيق عائد أفضل وتخفيض المخاطر المحتملة، ورغم أهمية هذه الصناديق في تنشيط سوق الأوراق المالية إلا أن أداءها غير موجود في الجزائر وهو ما ينعكس سلبا على أداء السوق المالي وتطوير الصيرفة الاستثمارية بشكل خاص، ومن المتوقع مع مطلع جانفي2009 إنشاء الحكومة الجزائرية صندوق عمومي للاستثمار على أعقاب البنك الجزائري للتنمية يتدخل في السوق الجزائرية لتمويل المشاريع الكبرى وذات الأهمية، وحسب خبير بنكي أن إنشاء الصندوق سيكون شركة وليس بنكا وبالتالي لن يحتاج تأسيسه إلى اعتماد من بنك الجزائر، وسيتم تمويل هذه الهيئة المالية الجديدة أساسا بالموارد التي ستضعها الخزينة العمومية تحت تصرفها أو من تمويلات أخرى من السوق الوطنية في وقت قد سجلت فيه البنوك العمومية فائضا في السيولة المالية حيث بلغت احتياطات الصرف 140 مليار دولار، وارتفع معدل الادخار من 40%سنة 2003 إلى 60% سنة 2008 وأن ما يمثل 77% هي نسبة الادخار الموجودة على مستوى البنوك العمومية
3.1. نشاط التوريق المصرفي: يعتبر التوريق من أهم الأنشطة التي تضطلع بها البنوك الشاملة لما توفره من تمويل حقيقي للمصارف والأسواق المالية على حد سواء، وصدر أول قانون تشريعي في الجزائر رقم 06-05 سنة 2006(15) لتوريق القروض الرهنية، ويعرفه في بنوده على أنه عملية تحويل القروض الرهنية إلى أوراق مالية وتتم على مرحلتين:  
       تنازل عن القروض الرهنية من قبل مؤسسة مصرفية أو مالية لفائدة مؤسسة مالية أخرى.
       قيام هذه الأخيرة بإصدار أوراق مالية قابلة للتداول في السوق ممثلة للقروض الرهنية. 
ووفق القانون رقم 06-05 سمح بإنشاء مؤسسات التوريق بقرار من هيئة سوق الأوراق المالية والتي يسمح لها بإصدار سندات قابلة للتداول بعد حصولها على موافقة الهيئة العامة لسوق الأوراق المالية وذلك بمقتضى المرسوم التشريعي رقم23 ماي1993 المتعلق ببورصة القيم المالية، وفي هذا الإطار حصلت المصارف العمومية والخاصة من شركة إعادة التمويل الرهني على تغطية وصلت إلى 80% للانطلاق في منح قروض السكن التي يتوقع أن تصل إلى 6 ملايين قرض(16) كما شرع الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط في تطبيق صيغة جديدة للقروض العقارية تتمثل في تقديم قروض رهنية على أساس قيمة الضمان، على أن تفوق قيمة السكن المراد شراؤه 600 مليون سنتيم يمنح البنك 5% من قيمة السكن(17).
4.1. القروض الشخصية: عرفت السوق الجزائرية انتعاشا كبيرا في مجال القروض الاستهلاكية حيث كشف المدير العام للمجوعة المالية سيتيلام الجزائر لويك لوبيشو بأن قيمة القروض المخصصة للاستهلاك وصلت حاليا إلى 70 مليار دينار أي 70 مليون أورو، بينما تقدر عائدات الأسر بأكثر من 3000 مليار دينار حسب جمعية البنوك والمؤسسات المالية، وبالتالي فإن النسبة الحالية للقروض مقابل العائدات تصل 2% بينما تتجاوز في الاقتصاديات الصناعية 10 إلى 20%، وأشار بهذا الشأن إلى أن قروض العقار تمتد لـ15سنة تقدر في حدود 5% بينما قروض الاستهلاك والقروض المصغرة تصل إلى 30 و40%،(18) ومن المتوقع طرح البنك خدمات جديدة كـ"القرض الشخصي" الذي يقدم للزبون للاستخدام مباشرة وهو مغاير للقروض المقدمة حاليا.
5.1. الصيرفة الإلكترونية: في إطار تحسين الخدمات المصرفية وتسيير التعاملات النقدية ما بين المصارف الجزائرية، تم إنشاء شركة مساهمة تضم ثماني بنوك عمومية هي بنك الجزائر، بنك الفلاحة والتنمية الريفية، بنك التنمية المحلية، البنك الخارجي الجزائري، بنك البركة الجزائري، الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، القرض الشعبي الجزائري، الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي، عام 1995 حيث تقوم بصناعة البطاقة المصرفية الخاصة بالسحب وطبع الإشارة السرية وفقا للمقاييس الدولية، ونشأت هذه الخدمة بموجب عقد مبرم بين شركة المساهمة مع شركة ساتيم "SATIM société algérienne d'automatisation des transactions" الذي يحدد إجراءات آجال التسليم، وعمليات ربط الموزعات الآلية مع شركة SATIM عن طريق شبكة اتصال X25 – DZ PAC التي تسمح بالقيام بعمليات السحب سواء كانت على المستوى الداخلي أو الخارجي، كما تعمل شركة SATIM على تأمين قبول البطاقة في جميع البنوك المشاركة، وإجراء عملية المقاصة لصفقات السحب بين البنوك، وتأمين تبادل التدفقات المالية، كما تعمل أيضا على كشف البطاقات المزورة، وفي عام 1997 قامت شركة SATIM بإعداد شبكة نقدية الكترونية بين البنوك الجزائرية تغطي الإصدارات المتعلقة بالبطاقات المصرفية الخاصة بالسحب من الموزع الآلي محلياً مما مكن البنوك المحلية والأجنبية من سحب الأموال باستخدام الموزع الآلي مباشرة.
أما من حيث استعمال وسائل الدفع الإلكترونية في المصارف الجزائرية فتشير الإحصائيات إلى محدودية التعامل بالبطاقات البنكية التي يبقى استعمالها ضيق نتيجة غياب الثقافة البنكية لدى العملاء، ومحدودية عدد الموزعات الآلية التي قد تتعطل أحيانا وتتطلب تكاليف صيانة مرتفعة، الأمر الذي يحول دون استعملها وتفضيل الدفع التقليدي بدل الإلكتروني، والملاحظ أنه في الفترة الأخيرة استحواذ بريد الجزائر على أكثر من 80%  من إجمالي البطاقات البنكية المصدرة.
وبهدف عصرنة أنظمة الدفع في المصارف الجزائرية والمؤسسات المالية، بادر بنك الجزائر إلى تحديد إطار قانوني يحكم المعاملات المالية ويسمح بتحويل المعلومات والمبالغ المالية الضخمة بين البنوك التجارية والبنك المركزي، وبين البنوك والسوق المالي بطريقة سهلة وفعالة، ومن هذه الأنظمة التي تدخل في إطار عصرنة البنوك الجزائرية نذكر: 
أ‌-     نظام المقاصة الإلكترونية: ويعرف أيضا بـ "نظام الدفع الشامل للمبالغ الصغيرة" والذي حدد بمقتضى النظام رقم 05-06 الصادر في 15ديسمبر2005 نظام المقاصة مابين البنوك و يهدف إلى تسوية المعاملات ومعالجتها عن بعد" Télétraitement" مابين البنوك والمؤسسات المالية بصورة آلية تحت إشراف البنك المركزي الجزائري، ويتعلق النظام بالمقاصة الإلكترونية للصكوك، والسندات، والتحويلات، والاقتطاعات الأوتوماتيكية التي تقل قيمتها عن مليون دينار جزائري ووفقا لهذا النظام فقد تم استحداث شيكات جديدة " Les Chèque normalisés" يقوم على ضرورة الالتزام بالتوصيات التالية:
·     الحفاظ على الشريط الأبيض أسفل الشيك والذي يسمى " Piste  d’encodage".
·     تجنب التوقيع أو الكتابة أو وضع ختم والإمضاء على هذا الشريط.
·     تجنب طي الشيك.
·     تفادي أي تآكل أو تمزيق للشيك الذي سيكون محل رفض من قبل جهاز السكانار.
على هذا الأساس يسمح نظام المقاصة الإلكترونية بـ:
·   تقليص آجال التحصيل بالمقارنة بالعمليات التي يقوم بها كل بنك.
·   ضمان امن التبادل وتفادي حدوث مشاكل محاسبية.
·   حسن تسيير السيولة النقدية بين البنوك بصورة أفضل.
·   تحكم البنك المركزي في مراقبة الكتلة النقدية.
ب‌-      نظام التسوية الإجمالية الفورية للمبالغ الكبيرة والدفع المستعجل:
De Traitement des Grandes Sommes    RTGS: Régime
      حدد بمقتضى النظام رقم 05-04 الصادر في 13أكتوبر2005 وهو نظام دفع مابين البنوك للمبالغ الكبيرة والمستعجلة التي تفوق قيمتها عشرة ملايين دينار، ويسمح هذا النظام بتنفيذ أوامر التحويل في الوقت الحقيقي بدون فترة سماح ويهدف في مضمونه إلى:
·     مسايرة المعايير والمقاييس الدولية في مجال مخاطر أنظمة الدفع و تأهيل القطاع المصرفي.
·   تخفيض مخاطر الدفع، وتقليص المدة ما بين البنوك.
·   ضمان الأمان والسرعة في المبادلات طبقا للمقاييس الدولية.
6.1. نشاط التأمين: يعد ممارسة نشاط التأمين من خلال شركة شقيقة تضمها شركة قابضة من أهم الوظائف التي تضطلع بها البنوك الشاملة والتي تعرف تطبيقا ناجحا في الدول المتقدمة التي تسعى إلى التفوق في الخدمات المالية وبشكل خاص في الخدمات التأمينية هذا بالمقارنة بالدول النامية التي تعرف تأخرا كبيرا نتيجة ضيق السوق ومحدودية الأنشطة التأمينية، إضافة إلى نقص الوعي التأميني لدى الأفراد، وبتشخيص واقع قطاع التأمينات في الجزائر حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية والتجارة لسنة 2008 تشير الإحصائيات إلى أن الجزائر من الدول التي تعاني من العديد من العراقيل التي تحول دون تطويره نتيجة سيطرة الشركات العمومية عليه بدرجة أولى وتصنف في ذات التقرير ضمن قائمة الدول العشر الإفريقية التي تمثل عائداتها من قطاع التأمينات نسبة 15% أو ما يمثل 5,7 مليار دولار من قيمة العائدات الإجمالية، وتحتل الجزائر المرتبة 69 على المستوى العالمي و07 على المستوى الإفريقي، وفي هذا الإطار تعتبر الجزائر سوى شركة عمومية واحدة مختصة في قطاع إعادة التأمين، وخلال العام الماضي تم إصدار مرسومين تنفيذيين خاصين بعملية تسويق منتجات التأمين في البنوك، الأول تم إصداره في ماي 2007 خاص بتحديد أحكام وشروط توزيع منتجات التأمين، أما الثاني والصادر في أوت 2007 فقد حدد منتجات التأمين الممكن توزيعها على مستوى البنوك، ومن المفترض أن توسع المصارف الجزائرية من دائرة نشاطها لتشمل توزيع كافة منتجات التامين والمتعلقة بالتأمين على الأشخاص، والتأمين على القروض، إلى جانب التأمين من الأخطار على السكنات، والأخطار الفلاحية، ويقدر حاليا عدد الوكالات التابعة لشركات التأمين الموزعة على كامل التراب الوطني بـ1200 وكالة تأمين، وتتراوح قيمة العمولات التي تتقاضها البنوك من هذه العملية بين 15% إلى 20%    إلى معدل يتراوح بين 30% إلى 40% والتي تعد غير مربحة بالنسبة للبنوك التي ستتكفل بتسويق منتجات التأمين على مستوى وكالاتها، أما من حيث الممارسات البنكية لنشاط التأمين فيظهر على شكل مساهمات متواضعة من خلال:
·   مساهمة كل من القرض الشعبي الجزائري، بنك التنمية المحلية، البنك الجزائري الخارجي، البنك الوطني الجزائري في الشركة الجزائرية لضمان الصادرات "CAGEX".
·   مساهمة المصارف العمومية في الشركة الجزائرية لضمان قروض الاستثمار "CAGCI".
·    مساهمة المصارف العمومية في شركة ضمان القروض العقارية "SGSI".
·   توسيع أنشطة الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي " BANQUE  CNMA".  
·   مساهمة الشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين في رأسمال البنك العربي التعاوني بـ5% .
ويسير تطور قطاع التأمينات بوتيرة بطيئة تعكس مستويات النمو الاقتصادي في مختلف الدول، ويقدر عدد شركات التأمين في إفريقيا 650 شركة عمومية وخاصة تقدر مداخليها الإجمالية بـ38 مليار دولار. 
7.1. البنوك الإسلامية كأحد تطبيقات البنوك الشاملة: شهدت الفترة الأخيرة انتشار البنوك الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، وانتشرت أكثر في الدول الغربية خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية التي يعيشها الاقتصاد في الوقت الراهن والذي بين أن التمويل الإسلامي هو أفضل حل لتجاوز آثار الأزمة، و قد ظهرت هذه البنوك لتباشر أعمالها وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، وتقديم خدمات متنوعة وشاملة فهي تجمع بين خدمات البنوك التجارية والبنوك المتخصصة و بنوك الاستثمار وذلك استجابة لرغبة العملاء الذين يرفضون التعامل بالمعاملات المصرفية الربوبية التي تتعامل بها البنوك  التقليدية، وباعتبار البنوك الإسلامية هي الوجه الآخر للبنوك الشاملة والتي عرفت توسعا كبيرا في بعض الدول  كالسعودية، ومصر، والأردن...، وبأشكال مختلفة، إلا أنه من الملاحظ أن مستوى الخدمات البنكية الإسلامية في الجزائر لا تمثل سوى 1,8% من نصيب الخدمات البنكية الوطنية، علما أن بنك البركة الجزائري الذي يعد محتكرا لهذه الخدمات حاليا قد حقق ربحا صافيا السنة الماضية مقدرا بـ1,3% مليار دينار جزائري ومن المقرر أن يرفع ربحه هذه السنة إلى 2 مليار دينار جزائري، وأوضح المدير المكلف بالشؤون القانونية ببنك البركة ناصر حيدر أن البنوك والمؤسسات المالية قد بلورت اقتراحاتها حول إمكانية توسيع تقديم الخدمات البنكية الإسلامية إلى البنوك العمومية وهو ما يتوقع فتح البنوك العمومية لنوافذ للخدمات البنكية الإسلامية مع آفاق سنة 2009، ومن الممكن أن يكون البنك الفرنسي سوسيتي جينرال أول مؤسسة مالية تقديم خدمات إسلامية وعرضها على العملاء الجزائريين.(19)
2. متطلبات تأهيل المصارف الجزائرية لمواكبة الصيرفة الشاملة:
من خلال ما تقدم فيما يتعلق بتطبيق الصيرفة الشاملة بالمصارف الجزائرية، نجد أن التشريع المصرفي الجزائري مازال يضع حدودا فاصلة بين ممارسة الوظائف التقليدية للبنوك التجارية ووظائف المؤسسات المالية، ويبقى عملها مقتصرا على ممارسة الصيرفة التقليدية بقبول الودائع ومنح القروض، وهو ما يبين أن نشاط البنوك الجزائرية يتحدد في نطاق ضيق، وإضافة إلى ذلك يتبين أن واقع الخدمات المصرفية في المصارف الجزائرية تتميز بأنها:
§     خدمات مصرفية تقليدية لا تستجيب لأبسط التطورات الحاصلة، فنشاط البنوك الخاصة المعتمدة لا يزال منحصر في عمليات مصرفية محددة رغم استفادتها من التدابير الجديدة المتعلقة بتحرير التجارة الخارجية، أما البنوك العمومية فهي تسير وفق المناهج التقليدية رغم الإصلاحات المتوالية في المجالات التشريعية و التنظيمية.
§     غياب مفهوم التسويق البنكي الذي يحول دون تسويق أمثل للخدمات المصرفية.
§     ضعف أداء العنصر البشري، ونقص التكوين والتدريب.
§     فقدان الاحترافية، وثقل الإجراءات البيروقراطية والتعقيدات في المعاملات البنكية، وتبعيتها للسلطات العمومية بشكل دائم.
§     تركز البنوك العمومية على مجمل الأصول البنكية بنسبة 95%.
§     عدم التحكم في استخدام التكنولوجيا البنكية وتطبيق الأنظمة والبرامج العصرية.
من كل العرض السابق، نخلص إلى أن المصارف الجزائرية رغم محاولاتها تطوير الأنشطة والوظائف التقليدية التي تقدمها وإدخال الكثير من الخدمات المستحدثة مما يعد اتجاها نحو الصيرفة الشاملة، إلا أنها تبقى بعيدة كل البعد على أن تكون مصارف شاملة بالمعنى المتعارف عليه عالميا نتيجة وجود بعض النقائص والفجوات والتي يستدعي منها ضرورة الأخذ بجملة من المتطلبات والتوصيات لتأهيل أداء القطاع المصرفي الجزائري ورفع إمكانياته للارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجهها ومواكبة مستجدات الصيرفة الشاملة، وتتمثل أهم هذه المتطلبات في النقاط التالية:
v    الارتقاء بالعنصر البشري الذي يعد من الركائز الأساسية للارتقاء بالأداء المصرفي.
v    زيادة رؤوس أموال البنوك التجارية بما يؤهلها لتحسين قدرتها التنافسية.
v    الاستعداد لتطبيق ثقافة إدارية جديدة تأخذ في الاعتبار التغير المستمر في أوضاع السوق المصرفية.
v    زيادة الإنفاق الاستثماري في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
v    توسيع الشبكات المصرفية التي تكون بمثابة حلقة وصل إلكترونية بين المصارف من جهة وباقي فروعها بما يحقق السرعة في تدويل المعلومات الخاصة بالعملاء، وإجراءات التسوية للمعاملات المالية، بالإضافة إلى الربط بين الشبكات الإلكترونية الخاصة بالمصارف العالمية وفي مقدمتها شبكة الانترنت.
v    تشجيع وتنشيط سوق الأوراق المالية وتكوين صناديق الاستثمار، وتأسيس شركات متخصصة في كافة العمليات المالية.
v    تنويع الخدمات المصرفية من خلال تقديم حزمة متنوعة ومتكاملة من الخدمات المصرفية تجمع ما بين التنوع والتطور وفق مفهوم المصارف الشاملة، ومنها على سبيل المثال:
·     الاهتمام بالقروض الاستهلاكية الموجهة لتمويل الاحتياجات الشخصية والعائلية.
·     الاهتمام بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
·     تقديم القروض المشتركة والاستشارة الفنية.
·   ضرورة تبني الصيرفة الإسلامية كمدخل لعصرنة الخدمات المصرفية في البنوك الجزائرية بهدف   استقطاب أكبر عدد من العملاء .
·     التوجه نحو التعامل في سوق الأوراق المالية وتفعيل دورها بما يسمح لها من تقوية قاعدة رأسمالها من جهة،  وتنشيط هذه الأخيرة من جهة أخرى.
·     الاستفادة من تجارب بعض الدول في الميدان المالي والبنكي.
·     إصدار القوانين والتشريعات التي تضمن نجاح عملية التحول إلى الصيرفة الشاملة.
·     تنظيم الشبكة المصرفية مابين البنوك"Réseau entre Bancaire " من خلال توسيعها بما يضمن سرعة تنفيذ الخدمات المصرفية.
·     تشجيع اندماج المصارف الصغيرة فيما بينها قصد تكوين كيانات مصرفية كبيرة قادرة على تقديم خدمات متنوعة تلبي كافة احتياجات الأفراد.
·     تفعيل دور الصيرفة الالكترونية كمدخل لتطوير وعصرنة المصارف الجزائرية وذلك من خلال إنشاء شبكة إلكترونية مصرفية وطنية، وتوسيع استخدام البطاقات الائتمانية، وشبكة الإنترنت مع توسيع إدخال نظام البث السريع ( ADSL ).


الخاتمـة:
مع تسارع وتيرة التطور الاقتصادي  والاجتماعي، وبروز آثار العولمة المالية في جميع الأصعدة خاصة منها الأنظمة المصرفية التي أصبحت متكيفة إن لم نقل مواكبة للمتغيرات الراهنة، ويبدو ذلك واضحا في أدائها وسياساتها الإستراتيجية القائمة على تلبية كافة احتياجات العملاء ومحاولة كسب رضاهم وولائهم الدائم، لذلك يظهر التوجه نحو خيار الصيرفة الشاملة مدخل حديث لمواكبة بيئة العمل المصرفي من حيث التنويع والابتكار والإبداع  سعيا لضمان بقاء ونمو المصارف خاصة منها الصغيرة أمام المصارف الكبرى المنافسة لها التي تسيطر على أغلب أصول السوق المصرفية.        
فأداء المصارف الجزائرية محدود في نطاق ضيق يقوم على اعتمادها على  الوظائف التقليدية التي تمارسها وبذلك يمكن القول وبعيدا على أن تكون مصارفا شاملة فهي تعد مصارفا تقليدية تسير في اتجاه التحول نحو المصارف الشاملة، وإن التفتح على هذا المفهوم المعاصر الذي يمثله البنك الشامل يعتمد في مضمونه على إستراتيجيات متطورة للعمل المصرفي تقوم على أساس فكرة التنويع في الأنشطة الممارسة ودخول مجالات أخرى غير مصرفية، مع ضرورة التحسين المستمر والابتكار والإبداع المصرفي بما يضمن نموها وبقاءها وقدرتها على المنافسة، ويعتمد نجاح تطبيق الصيرفة الشاملة في المصارف الجزائرية بدرجة أولى على إيمان الدولة واقتناعها بأهمية دور هذه البنوك، وأن تعمل على تهيئة المناخ الملائم على نحو يتسم بالكفاءة والفعالية،  وتعمل على إصدار التشريعات واللوائح والنظم الكفيلة لتدعيم التطبيق الناجح، وتوفير الدعم المالي والبشري...
















قائمة  المراجع والهوامش:
(1)- عبد المطلب عبد الحميد، البنوك الشاملة:عملياتها-إداراتها، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2000، ص:19.
(2)- رشدي صالح عبد الفتاح صالح، البنوك الشاملة وتطوير دور الجهاز المصرفي المصري، بدون دار وبلد نشر، 2000، ص:61.
(3)- طارق عبد العال حماد، التطورات العالمية وانعكاساتها على أعمال البنوك، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2003، ص ص: 204،203.
(4)- أحمد عبد الخالق، البنوك الشاملة، مقال منشور على الموقع الإلكتروني:
 www. Arablawinfo.com/resarches_AR/199,doc    consulté le  9/11/2008             
(5)- أحمد عبد الخالق، البنوك الشاملة، مقال منشور على الموقع الإلكتروني: www. Op.cit.                                                    
(*)- لجنة بازل الدولية للرقابة المصرفية التي تشكلت من مجموعة الدول الصناعية العشر Group of ten نهاية عام 1974 هي بلجيكا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، هولندا، السويد، سويسرا، إنجلترا تحت إشراف بنك التسويات الدولية بمدينة بازل بسويسرا وأقرت اللجنة عام 1988 معيارا دوليا موحدا لكفاية رأس المال ليكون ملزما لكافة البنوك العاملة في النشاط المصرفي للدلالة على مكانة المركز المالي للبنك ويقوي ثقة المودعين فيه.
(6)- عبد المنعم راضي،عزت فرج، اقتصاديات النقود والبنوك، البيان للطباعة والنشر، الإسكندرية، 2001، ص: 218.
 (7)- عبد المطلب عبد الحميد، مرجع سابق، ص:21.
(8)- طارق عبد العال حماد، مرجع سابق، ص: 57.
(9)- صلاح عبد الرحمن مصطفى الطالب، الصيرفة الشاملة...الصيرفة ذات الخدمات الكاملة، مقال منشور على الموقع الإلكتروني:                             www.jps-dir.com/forum/forum_posts.asp?TID=3681 consulté le 10/11/2008                                        
(10)- إيمان عطية،"ميزان القوة يتغير لصالح البنوك الشاملة.."، يومية القبس، الصادرة بتاريخ 23أغسطس2008، العدد12657، ص:26. راجع الموقع الإلكتروني:                                                               www.alqabas.com   consulté le 10/11/2008
(11)- عبد المطلب عبد الحميد، مرجع سابق، ص:25.  
(12)- طارق عبد العال حماد، مرجع سابق، ص: 204.
(13)- عاشور كتوش،عبد الغني حريري،"التمويل بالائتمان الإيجاري-دراسة حالة الجزائر"، ورقة بحث مقدمة إلى الملتقى الدولي حول سياسات التمويل وأثرها على الاقتصاديات والمؤسسات-دراسة حالة الجزائر والدول النامية- جامعة بسكرة-الجزائر، يومي23،22 نوفمبر2006، ص:13.
(14)- رشدي صالح عبد الفتاح صالح، مرجع سابق، ص:167.
(15)- لمزيد من الإطلاع راجع: الجريدة الرسمية، العدد15، قانون رقم 06-05 المؤرخ في 21محرم 1427 الموافق لـ20فبراير2006 المتضمن توريق القروض الرهنية.
(16)- ع. بوكروح، البنوك العمومية والخاصة ستنطلق في منح قروض السكن، يومية الشروق، الصادرة بتاريخ 1/06/2006، عدد1701، ص:02 لمزيد من الإطلاع راجع الموقع: www.echoroukonline.com                                                                   
(17)- م. بوزامة، تسهيلات للحصول على قرض عقاري، يومية الخبر، الصادرة بتاريخ 2/05/2006، عدد4692، ص:06. 
      لمزيد من الإطلاع راجع الموقع: www. Elkhabar. com                                                                               
(18)-ح. صواليلي، سوق القروض الاستهلاكية في الجزائر تقدر بـ70 مليار دينار، يومية الخبر، الصادرة بتاريخ 6/11/2007 عدد5161، ص:05.
(19)- س.بن عبد الرحمن،تعديل قانون النقد والقرض ضروري لتطوير البنوك الإسلامية، يومية الخبر، الصادرة بتاريخ 5/11/2008، عدد5468، ص:1


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق