السبت، 9 مارس 2013

الحاجة إلى توظيف معلومات التكاليف البيئية في صنع القرارات الاستثمارية




الحاجة إلى توظيف معلومات التكاليف البيئية في صنع القرارات الاستثمارية


المقدمة:
         في بداية القرن التاسع عشر تنبأ مالتس بأنه في وقت ما ستحصل المجاعات والوفيات نتيجة النمو السكاني بنسبة اكبر من معدل النمو الاقتصادي, وقد تم إعادة أفكار مالتس في الثمانينات من القرن الماضي نتيجة اهتمام الباحثين وتركيزهم على حالة أن المجتمع اخذ يدمر نفسه بنفسه نتيجة القرارات والتصرفات اللامدروسة وممارسته أنشطة غير محسوبة بيئيا.
     اخذين في الاعتبار أن للبيئة قدرة تحملية محدودة للأنشطة الإنسانية وان كانت فريدة القدرة إلا أن تجاوزها يسبب خللا بيئيا يجني نتائجه بالنهاية الإنسان ذاته.
     ونظرا للعلاقة العضوية المتشابكة ذات المدى البعيد للملوثات من جهة والاعتماد المالي المتداخل والمتمثل بتدفقات رؤوس الأموال من جهة أخرى بين الدول, فقد أصبح لهذا الموضوع اهتماما جديدا ذو بعدا عالميا. وعليه بدأت الاهتمامات بموضوعات الموارد المستنفذة والتلوث البيئي وأثره على قرارات الاستثمارات تستحوذ على الرؤى الجديدة للاقتصاديين ورجال الأعمال عند صنع قراراتهم.

مشكلة البحث:
      تتمثل مشكلة البحث بان غياب استخدام المعلومات المحاسبية البيئية وخاصة الكلفوية منها في صنع القرارات الاستثمارية قد أهمل الجانب البيئي عند صنعها, هذا الإهمال جعل المستثمرين في غفلة عن المتطلبات والتشريعات البيئية التي تلزم الشركات بتحمل كلف إضافية لم تؤخذ بالحسبان تحت طائلة من يلوث يدفع. وبالتالي انعكست النتيجة على أرباحهم, وقد كانت تلك النتيجة قاسية في بعض البلدان بحيث جعلت المستثمر في وضع حرج ونادما على ما اتخذه من قرار كان خاطئا بسبب غياب معلومات هامة عنه هي معلومات الكلف والالتزامات البيئية.

أهمية البحث:
     تتجلى أهمية البحث من خلال تسليط الضوء على ماهية معلومات الكلف البيئية وآلية صنع القرارات وجدوى استخدام تلك المعلومات في صنع القرارات بشكل عام والاستثمارية منها بوجه خاص.

فرضية البحث:
      يقوم البحث على فرضية واحدة مفادها " إن استخدام معلومات الكلف البيئية في صنع القرارات الاستثمارية يجعلها أكثر عقلانية ورشدا".

منهج البحث:
     اعتمد الباحثان المنهج ألوصفي في صياغة البحث من خلال الرجوع إلى الكتب العلمية والنشريات ذات العلاقة بالموضوع.

حدود البحث:
    حاول الباحثان أن يختصرا في مفهوم وأهمية الكلف البيئية بما يتواءم مع موضوع البحث وبالشكل الذي يتعلق بصنع القرارات الاستثمارية رغم أن هذا الموضوع عصريا فيستحق المزيد من العرض.  

خطة البحث:
     لغرض تحقيق هدف البحث وحل مشكلته واختبار فرضيته فقد تم تقسيم البحث إلى عدة محاور وفق الآتي:
أولا: مفهوم وماهية الكلف البيئية.
ثانيا: آلية صنع القرارات وقواعدها.
ثالثا: الحاجة إلى توظيف الكلف البيئية في صنع القرارات الاستثمارية.     

أولا: مفهوم وماهية معلومات الكلف البيئية
               اقتصاديا ينظر إلى البيئة على أنها أصلا متراكبا  ( Composite) تمنحنا مختلف الخدمات وهي التي تمتلك دعائم الحياة, وبالتالي لابد من المحافظة عليها لضمان ديمومة العطاء. فهي المصدر للمواد الخام التي تستخدم في العملية الإنتاجية وهي مصدر الطاقة والماء والهواء. فقد خلق الباري عز وجل الكون بمعطيات ومقادير محددة وأعطى كل منها خصائصه بالشكل الذي يضمن ديمومة حياة البشرية والكائنات الأخرى فيه فقال في كتابه الحكيم " وخلق كل شيء فقدره تقديرا" ( سورة الفرقان, آية 2 ).
     فموارد البيئة الطبيعية من ماء وهواء وغيرها هي ليس من صنع البشر بل هي من نعم الباري سبحانه وتعالى التي أنعمها على البشرية وأعطاها الحق في تسخير تلك الموارد والانتفاع منها واستثمارها بالشكل الذي يضمن سد حاجته من ناحية والمحافظة على تلك الموارد من ناحية أخرى. إلا أن الإنسان بفعل أنشطته المختلفة والصناعية منها خاصة قد تمادى على البيئة مسببا لها التلوث بشتى أشكاله ومختلف تراكيزه فحصل اختلال في الاتزان البيئي.
    ويقول الباري سبحانه وتعالى " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". ( سورة الروم, آية 41 )
     أي حصل التلوث البيئي الذي أصاب الأنظمة البيئية كافة ( الماء, الهواء, التربة). وعرف التلوث البيئي على انه " عبارة عن وجود مواد أو زيادة تراكيزها في نظام من الأنظمة البيئية, مؤثرة على خواصه الكيمياوية والفيزياوية والبايولوجية بحيث تجعل ذلك النظام لا يناسب حياة الكائنات الحية أو الاستخدامات الأخرى ". ( الشعباني, 1998, ص 5)
    والتلوث ذو أنواع عديدة فهناك التلوث الكيمياوي والتلوث البايولوجي والتلوث بالنفط والتلوث الحراري والضوضائي والمداري والإشعاعي وغيرها. ولغرض السيطرة على التلوث تعتمد طرق عدة أولية ومتقدمة وتكنولوجيات مختلفة حسب نوع وتركيز الملوث.
    ومن الحقائق المحاسبية أن كلفة الإنتاج أو الخدمة تعبر عن قيمة عوامل الإنتاج المستنفذة في تصنيع ذلك المنتج أو تأدية تلك الخدمة متمثلة بعناصرها ( المواد, الأجور, التكاليف الإضافية ) إلا أن هذا افتراض على أن الشركة تمارس نشاطها بمعزل عن البيئة بالوقت الذي تقدم البيئة وظيفتان أساسيتان هما:
1.     تمثل المصدر الأساسي بل الوحيد للموارد الطبيعية والتي تعتمد كعوامل إنتاج واحتياطي لإبداعات المستقبل.
2.     إن الأنظمة البيئية هي محطة امتصاص الملوثات وكفيلة بمعالجتها إذا ما كانت ضمن قدرتها الاستيعابية.
       فتجاهل الحسابات التقليدية لكلف التلوث البيئي وحماية البيئة جعل الأرباح المتحققة والمحسوبة تقليديا مضخمة وأكثر من الحقيقة, فأضحت الحاجة إلى تبني المحاسبة عن الكلف البيئية والتي تعد أداة جيدة وعاملا ضروريا لكل من الإدارة البيئية وإدارة الجودة الشاملة فضلا عن تعديل احتساب المؤشرات الاقتصادية القومية.    
      فأصبح التفكير يتجه نحو القياس والتقويم الاقتصادي للكلف والمنافع البيئية وان الشركات أخذت تتحمل الكلف الخاصة بحماية البيئة عملا بمبدأ من يلوث يدفع وتنفيذا للمسؤولية القانونية والاجتماعية والأخلاقية والبيئية, وبالتالي انعكست تلك الكلف على كلفة المنتج والعملية وأخذت تدخل في تبني السياسات البيئية وفي صنع القرارات.
 وتعرف التكاليف البيئية على أنها " التكاليف التي تتعلق بالتدهور الفعلي أو المحتمل للموارد الطبيعية والبيئية الناشيء عن الأنشطة الاقتصادية".    
"Environmental costs are the costs that are connected with the actual or potential deterioration of natural assets due to economic activities".                                     ( UN,1993,P91 )
وعرفت على أنها " تحديد وقياس تكاليف الأنشطة واللوازم البيئية، واستخدام تلك المعلومات في صنع قرارات الإدارة البيئية، بهدف المحاولة لتخفيف الآثار البيئية السلبية للأنشطة والأنظمة ".                                      
“Environmental cost accounting identifying and measuring the costs of environmental materials and activities and using this information for environmental decisions. The purpose is to recognize and seek to mitigate the negative environmental effects of activities and systems”.    (US, EPA, 1995, P2)
كما عرفت التكاليف البيئية بأنها " إضافة معلومات الكلفة البيئية في إجراءات محاسبة التكاليف الموجودة، أو جعل تسجيل التكاليف البيئية جزءاً لا يتجزأ منها وتخصيصها على العمليات والمنتجات الملائمة ".    
    فيرى الأستاذ (Hueting) أن التكاليف البيئية تتضمن احتساب كلفة الإجراءات المطلوبة لتغيير مستوى النشاط الاقتصادي إلى المستوى المستديم (المدعم) فهي تتضمن الآتي:                              ( UNEP, 1992, P2 )                                            
1. تكاليف الإجراءات التقنية للإصلاح.
2. تكاليف بدائل التحسين لاستنفاذ الموارد الطبيعية.
3. تكاليف التغيير المباشر من الأنشطة الملوثة بيئياً إلى الأنشطة النظيفة.

والتكاليف البيئية تختلف باختلاف التشريعات البيئية، وحجم المنشآت الصناعية وأسلوب السيطرة على التلوث المعتمد، ومستويات التلوث المستهدفة. إذ أخذت القوانين بنظر الاعتبار معالجة الأضرار البيئية الماضية، والانبعاثات الحالية والصيانة والمواد السامة والفضلات الخطرة التي أصبحت هائلة في كل مكان من العالم. هذه الصلاحيات القانونية طلبت من الأطراف المسئولة (Responsible parties) . كالمالكين ومستغلي العقارات ومسببي المواد الخطرة دفع كلفة إزالة أثر التلوث والإصلاح البيئي، أي هناك مسؤولية قانونية ذات أثر رجعي (Retroactively)، تطالب الأطراف المسئولة بالدفع لغرض التنظيف البيئي من الملوثات التي سببتها أنشطتهم ومعالجة آثارها. (US, EPA, 1996, P2-11)    
إلا أن هناك حقيقة أصبحت واضحة هي أن الكلف البيئية تمثل جزء من كلف التشغيل وان المعلومات المتعلقة بالكلف البيئية هي مهمة شأنها شأن كل معلومات الكلف الأخرى, سواء في صنع القرارات أم في دقة تحديد كلفة المنتج والعملية.
  وقد عرفت محاسبة التكاليف البيئية على أنها " تعيين وتمييز وقياس أو وصف وإشراك الكلف البيئية في قرارات الأعمال". (US, EPA, 1997, P7)       
   وقد يشار إلى محاسبة التكاليف البيئية على أنها المحاسبة الجديدة أو المحاسبة الخضراء ( Green Accounting ).





   مداخل تقدير الكلف البيئية:
إن تقدير الكلف البيئية يتضمن نظرة مستقبلية أصعب من متابعة إستراتيجية قائمة ولغرض تحديد الكلف البيئية هناك مدخلان أساسيان هما: ( ألبنا, 2007, ص78 )
1.     المدخل ألاستبياني: The Survey Approach     
                   يعد هذا المدخل احد طرق تقدير الكلف البيئية, اذ يسأل الملوثون عن تقديرات كلف السيطرة على التلوث, وهنا يجب مراعاة المصداقية في التقديرات اذ أن المبالغة قد تخلق قواعد رقابية اقل شدة للسيطرة على التلوث.
2.     المدخل الهندسي: The Engineering Approach
     يعتمد هذا المدخل على المعلومات الهندسية المرتبطة بحصر التقنيات الممكن استخدامها للسيطرة على التلوث وتقدير كلفة الشراء واستخدام تلك التقنيات. مع افتراض استخدام التقنيات التي تعمل على خفض الكلف بنفس الوقت.

ثانيا: آلية صنع القرارات والأطر المعرفية لها

 أ. آلية صنع القرار
        يمثل القرار أيا كان مجاله اختيار البديل الأفضل من بين مجموعة البدائل المتاحة. ( هاشم, 1988, ص102 )
     ويعد اختيار البديل المرحلة الأخيرة في عملية صنع القرار. حيث تهتم نظرية القرارات بتحليل المعلومات التي تتضمن العديد من البدائل والنتائج لغرض تخفيض حالة عدم التأكد وتحسين عملية صنع القرار من خلال خطواتها الآتية:
1.     تعريف المشكلة.
2.     جمع البدائل.
3.     تقييم البدائل.
4.     اختيار البديل الأفضل.
حيث أن أساس المفاضلة بين البدائل عند صنع القرار هو صافي الربح المحاسبي طبقا لمدخل الكلف المباشرة. ( مرعي, 1985, ص410 )
    ويواجه صانع القرار في تعامله مع خطوات صنع القرار لبعض القيود بسبب عدم متاحية المعلومات الكاملة التي يحتاج إليها مما يجعل القرارات أحيانا تتخذ في حالة عدم تأكد وحالة مخاطرة.
    إن ترشيد القرار وان كان يتأثر ببقية العوامل الأخرى إلا انه يعتمد إلى حد كبير على مدى ملائمة المعلومات المقدمة والتي تتعلق باختصاصات عدة تعمل تحت مظلة استخدام تكامل المعرفة ومنها المحاسبة. إذ تقوم بتوفير المعلومات المحاسبية الأكثر نفعا وفائدة في ترشيد القرارات الادارية والاستثمارية وقد تم الاستعانة في السنوات الأخيرة بالأساليب الرياضية وبحوث العمليات لغرض زيادة درجة الدقة في قياس المعلومات الناجمة عن نظام المعلومات المحاسبي وتحديد الاحتياجات المثلى لمتخذي القرارات من تلك المعلومات.

ب - نماذج القرارات:
        يمكن تقسيم نماذج القرارات وفق الآتي: ( هاشم, 1988, ص111)
1.     النماذج الطبيعية للقرارات Normative Decision Models      
2.     النماذج الوصفية للقرارات Descriptive Decision Model       
حيث تفترض النماذج الطبيعية إن متخذ القرار على معرفة بكل البدائل الممكنة وعلى معرفة بقاعدة معينة يستند إليها في الاختيار, وهنا تفترض أن متخذ القرار يتصرف برشد وعقلانية وهذا قد لا يمثل الواقع. في حين تفترض النماذج الوصفية تمثيل الواقع الفعلي لإطار اتخاذ القرارات ولا تفترض التصرف الرشيد التام في الاختيار ومن بين البدائل الممكنة, كما وتفترض أن متخذ القرار قد يتأثر بقيمه الخاصة مثل ثقافته وشخصيته وتطلعاته, أي أن طبيعة العلاقة التي يعبر بها النموذج هي وصفية وتتعلق بالسلوك البشري.

ج - قواعد صنع القرارات:
عند صنع القرارات هناك ثلاثة قواعد أساسية يمكن اعتمادها هي وفق الآتي: ( ألبنا, 2007, ص66 )
1.     قياس أقصى صافي قيمة حالية:
            إذ تقترح هذه القاعدة انه يجب توجيه الموارد للاستخدامات التي تعظم القيمة الحالية لصافي المنافع التي يمكن تحقيقها.
2.     قياس نسبة المنافع إلى التكلفة:
          بموجب هذه القاعدة أن القرار سيتخذ أو النشاط سينفذ إذا كانت نسبة القيمة الحالية للمنافع إلى الكلف هي أكثر من واحد صحيح.
3.     القياس الصافي الموجب للقيمة الحالية:
        أي أن القرار سيتخذ إذا كانت القيمة الحالية لصافي المنافع اكبر من الصفر.

ثالثا: توظيف معلومات الكلف البيئية في صنع القرارات الاستثمارية
         إن تبني الإدارة البيئية له دوافعه حيث أن ذلك يتواءم مع متطلبات ISO14001 في إنجاز الأعمال بالشكل الذي يكون له اثر بالغ في بنية السوق العالمية, ويمثل تبني الإدارة البيئية بطاقة دخول للأسواق التنافسية. ( العزاوي,2005, ص194 )
    ويقف وراء تبني الشركات ISO14000 دوافع خارجية تدفع الشركة إلى تبني تلك المواصفة مثل طلب السوق ومزايا السوق والمتطلبات الحكومية والتعاقدية, حيث أن الحصول على شهادة الإدارة البيئية يمثل ميزة تنافسية للشركات. وكذلك هناك دوافع داخلية تتمثل بزيادة الكفاءة التشغيلية والهدر الأقل بالطاقة والسيطرة الجيدة على طرائق العمل ذات التأثير البيئي المحتمل وتدريب العاملين على حماية البيئة. ومن الجدير بالذكر أن تبني مواصفة الإدارة البيئية يتطلب تحمل كلف إضافية تتمثل بكلفة إعداد نظام الإدارة البيئية وإدارته وكلف الاستشارة.
    إن التفكير المنظم عن المستقبل يستدعي استخدام النماذج والمعلومات الكفيلة بالتنبؤ عن المشاكل المستقبلية, وبناءا على ذلك فقد يتم استخدام نموذج أساسي متشائم أو نموذج أساسي متفائل, حيث يركز النموذج المتشائم على محدوديات النمو وقد بنى لذلك فوستر نموذجا يعمل على الحاسوب مستخدما في ذلك تقنية اسماها بالنظم الديناميكية Systems Dynamics لاستنباط النتائج الاقتصادية المستقبلية, وقد لاحظ أن أقوى مؤثر في تلك الديناميكية هي التغذية العكسية للمعلومات. (ألبنا, 2007, ص8 )
    إن النظر إلى المستقبل قد يتحدد بفهم الشخص للماضي والحاضر وكذلك للإمكانيات التكنولوجية المتاحة حاليا والتشريعات النافذة والمتوقعة. حيث أن ندرة راس المال تعتبر من العوامل المحددة للقدرة على الاستفادة من كل المشروعات وعادة ما يواجه المخطط مشكلة المفاضلة والاختيار بين المشروعات التي يحقق كل منها عائدا مجزيا. وقد لا تتوقف المفاضلة عند حدود الربحية بل تتأثر بعوامل عديدة أخرى مثل مدى استيعاب الطاقة العاملة وقدرة المشروع على توفير العملة الصعبة ( النقد الأجنبي ) ومدى مساهمته في زيادة الدخل القومي ومدى التزامه بالتشريعات والقوانين البيئية وغيرها.
      ومن المعتاد أن تحصل عمليات صنع القرارات في ظروف عدم التأكد, أي بمعنى في حالة عدم توافر المعلومات الكاملة مقدما عما سيحصل في المستقبل.  وعليه يجب بذل قصارى الجهد من اجل توفير اكبر قدر ممكن من المعلومات الملائمة التي تعمل على تخفيض درجة عدم التأكد التي يعاني منها صانع القرار. حيث يميل صانع القرار إلى اتخاذ القرار الذي يحقق أعلى قيمة متوقعة.
     وعليه فان قيمة المعلومات The Value of Information تعتمد على مدى إمكانيتها من تحسين نتائج القرار من خلال الحصول على المزيد من المعلومات عن تقديرات وقوع الأحداث. ( العظمة وآخرون, 1990, ص757 )
    وتنقسم التكاليف في مجال صنع القرارات إلى تكاليف ملائمة Relevant Costs وتكاليف غير ملائمة أو غارقة Sunk Cost .
    وتعرف التكاليف الملائمة على أنها " التكاليف المتوقعة مستقبلا والتي تختلف أو تتفاوت من بديل لأخر من بدائل القرار". ( العظمة وآخرون, 1990, ص95 )
     ومن التعريف يتضح أن التكاليف الملائمة لها خاصيتين هما:
1.     أنها تكاليف مستقبلية Future Costs أي يتوقع حدوثها بالمستقبل ولم تحصل فعلا بعد.
2.     أنها تكاليف تفاضلية Differential Costs أي تكاليف تختلف من بديل لآخر.
  ولا تقتصر التكاليف الملائمة على التدفقات النقدية التي تتحملها الشركة وإنما قد يتعداها إلى التكلفة المحتسبة Imputed Costs وان لم تمثل تدفقات نقدية خارجة إلا أنها تمثل عائدا مضاع على المشروع نتيجة عدم الاستفادة من الموارد المتاحة في فرصة بديلة, أي تمثل كلفة الفرصة البديلة أو المضاعة Opportunity Costs  وهذه تمثل أقصى عائد مساهمة فقدته الشركة نتيجة اختيارها بديلا معينا ورفضها بديل آخر.

  والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا تدمج التكاليف البيئية في صنع القرارات ؟
من حقائق الأمور أن المحاسبة المالية قد لا تولي البيئة الاهتمام الكافي فلا تعكس معلوماتها بشكل تام الآثار البيئية, إذ هناك نقص في المعلومات المفصح عنها والمتعلقة بالتكاليف والمطلوبات البيئية على الرغم من تزايد وضخامة تلك التكاليف.
حيث إن العديد من القرارات التي تتخذ من قبل المدراء غير فعالة، ويعزى ذلك إلى حقيقة تجاهل التكاليف المتعلقة بالالتزام البيئي كونها خفية ولا يتم تخصيصها على المنتجات والعمليات والأنشطة المسببة لها انسجاماً مع مبدأ من يلوث يدفع [The polluter pays principle “PPP”]  فعزل تلك التكاليف عن العمليات والأنشطة يجعلها غير جديرة
بالاهتمام (
Worth while) .
  أما القرارات التي تتخذ في ضوء معلومات التكاليف البيئية فإنها ستكون أكثر رشدا لان تلك القرارات تتأثر بنوع المعلومات التي يتم جمعها، ولدى إدارات الشركات اليوم اندفاع على اختيار التكنولوجيات والإجراءات التي تلبي الشروط البيئية وتبني علاقات الكلفة-المنفعة، ومتخذي القرارات يبحثون دوماً عن السبل التي تصف لهم علاقات المنفعة الكلفة للأنشطة البيئية هذا ما دفع إلى تضمين الاعتبارات البيئية في صنع القرارات الرشيدة كمزيج الإنتاج وتقويم الأداء والاستثمارات وغيرها.( US,EPA,1994,P111-5) 
وعليه فان تبني معلومات تكاليف بيئية سوف يعمل على تحسين العمليات المؤثرة على البيئة ويوجه السلوك إلى تصميم منتجات مفضلة بيئيا والبحث عن الطرائق الأكثر نفعا اقتصاديا واقل ضررا بيئيا. ( US,EPA,1996,P16 )                                                       

ويوضح الشكل رقم (1) كيفية استخدام محاسبة التكاليف البيئية في صنع القرارات.







الشكل رقم (1)



                         
                  محاسبة التكاليف البيئية
 

                  
             تقدير التكاليف الداخلية
تخصيص التكاليف الإضافية والتكاليف الخفية الأخرى
 
تحديد
وتقدير
التكاليف
البيئية
والتكاليف
الأخرى
 

عوامل اخرى
- السعر 
- الموثوقية
- التمويل
- خدمات العملاء
- المخاطرة
- الشروط التنظيمية
- الآثار الخارجية

 
 









   تقدير التكاليف الخارجية
تحديد ووصف الآثار البيئية من أنشطة المنشأة
 
 









                              

المصدر:    ( US, EPA, 1996,PA-11 ) 

وقد لا يظهر اختلاف للوهلة الأولى فيما إذا عدت تلك التكاليف بيئية أم غير ذلك ؟ إلا أن تتبع اثر التكاليف يساعد صانعي القرار على الإدراك الأفضل لربط السبب والنتيجة (cause and effect)، حيث أن القرارات تأخذ بالحسبان أي المنتجات تصنع وأي تكنولوجيا تعتمد يمكن أن تزيد أو تخفف العبء البيئي على الشركة.
فإذا كانت التكاليف البيئية قد طمرت ضمن فقرات أخرى، فان صانعي القرار سوف يبخسون تقدير منافع الإنتاج والتكنولوجيا النظيفة، وقد يستمرون في ما هو أكثر خطورة مسهمين في زيادة العبء البيئي. فإعداد بيانات جيدة يدعم نظام المعلومات الجيد وبالتالي يساعد في صنع قرارات جيدة عليه تعد محاسبة التكاليف البيئية حجر الزاوية في إستراتيجية التنمية المستديمة.             
                    
فإدخال معلومات الكلفة البيئة في صنع القرارات يسلط الضوء على مزايا الاستثمارات في التكنولوجيات النظيفة والتحديد الأكثر دقة لتكاليف المنتجات التي تنعكس على قرارات التسعير وتشكيلة الإنتاج والبيع. على الرغم من أن الإدارة تفضل في مثل تلك القرارات المؤشرات المالية، إلا أن المؤشرات غير المالية كذلك ضرورية وجوهرية.
                                  
وعند التركيز على القرارات الاستثمارية يطرح صانعي القرارات الأسئلة الآتية:                                                    
1. ما المضامين البيئية للبديل ؟
2. ما التحسن البيئي المطلوب ؟
3. هل يتناغم البديل مع الشروط البيئية الحالية ؟ وهي لديه المرونة على تلبية الشروط المستقبلية ؟
4. هل يسهم في تبني التنمية المستديمة ؟

فإذا كان هناك نقص في المعلومات المتاحة سوف يكون لصانعي القرار نظر قليل البعد في محاولة الخيار بين البدائل المطروحة والتي تلبي الشروط البيئية، لاسيما وان مسؤوليتهم قد تجاوزت أهداف الربحية والمساهمة السوقية. فكشف الغطاء عن التكاليف البيئية وعزلها عن الإضافية ربما تجعلهم يلعبون دوراً أفضل في زيادة الأداء البيئي، وبخاصة بعد أن زادت الهيئات الحكومية والمحاسبية ضغطها على إدارات المنشأت في تسجيل التكاليف البيئية والإفصاح عنها.                 (US, EPA, 1994,P1-24)                              
وعليه فان أي قرار استثماري سيعتمد نموذجا لمقارنة تكاليف وإيرادات متنبأ بها لعمليات حالية أو مستقبلية في ظل الالتزامات البيئية( Allen&Beaker, 1992,P34 )      .                   
وفي ضوء المعلومات المتاحة ولإجراء المفاضلة بين الاستثمارات يتم احتساب القيمة الحالية (PV) للتدفقات النقدية الداخلة والخارجة وخصمها وفق معدل خصم مناسب للحصول على صافي القيمة الحالية (NPV) التي تشكل قاعدة المفاضلة فيما بين البدائل. ويمكن استخدام أدوات أخرى مثل معدل العائد الداخلي (IRR ) وفترة الاسترداد.
نخلص مما تقدم انه لغرض الوصول إلى أفضل القرارات الاستثمارية يجب ألا تبقى التكاليف البيئية مطمورة ومنسية عند صنع القرارات الاستثمارية.
 ونختتم بحثنا هذا بمقولة رئيس تحرير الفايننشيال تايمز التي نصها " شئنا أم أبينا, فان الأيام التي كانت تصنع فيها القرارات التجارية في فراغ أخلاقي واجتماعي كامل أصبحت معدومة".(Schmidheiny,1992,P89)  

الخلاصة:
       يمثل التلوث البيئي اليوم أهم تحديات العصر الراهن. والتلوث ناجم عن الأنشطة البشرية المختلفة والصناعية على وجه الخصوص بالإضافة إلى التلوث الناجم عن الأنشطة الطبيعية كالبراكين وغيرها.
    والملوثات تأخذ أشكال مختلفة فهناك الملوثات الغازية والملوثات السائلة والملوثات الصلبة. وكذلك هناك أنواع عديدة من التلوث إذ هناك التلوث الهوائي والتلوث الكيميائي والتلوث البايولوجي والتلوث الضوضائي والتلوث النفطي والتلوث الحراري والتلوث المداري.
وتعتبر المعلومات الكلفوية والتحليلات الاقتصادية المفتاح الرئيس للرسم السياسات وتبني البرامج الاستثمارية حيث تساهم في صنع القرارات الاستثمارية الرشيدة.فلم يعد بالامكان تجاهل المعلومات الكلفوية المتعلقة بالتلوث البيئي وحماية البيئة إذ أخذت تلك التكاليف تشكل نسبة عالية من التكاليف التي تتحملها الشركة من جهة وانسجاما مع الالتزام القانوني وعملا بمبدأ من يلوث يدفع. وبالتالي أصبحت تلك التكاليف تؤثر على ربحية الشركة.وفي الماضي كانت المحاسبة التقليدية تتجاهل معلومات التكاليف البيئية مما جعل معلوماتها تفتقر إلى الدقة وبالتالي فان ما كان يصنع من قرارات استثمارية كان يشوبها شيء من عدم العقلانية حيث كانت كلف الإنتاج وتسعير المنتجات وأرقام الأرباح التي كانت تظهر يشوبها عدم الدقة.
    المصادر:
أولا: المصادر العربية
1.     القرآن الكريم.
2.  ألبنا, جلال- المعايير الاقتصادية للمشكلات البيئية والقوانين المتعلقة بها- الناشر المكتب العربي الحديث – الإسكندرية – مصر- 2007.
3.  الشعباني, صالح إبراهيم يونس – معايير تكاليف حماية البيئة – أطروحة دكتوراه في المحاسبة غير منشورة –جامعة بغداد – العراق – 1998.
4.  العزاوي, محمد عبد الوهاب – أنظمة إدارة الجودة والبيئة ISO14000,ISO9000 – وائل للنشر والتوزيع –عمان – الأردن- 2005.
5.  العظمة, محمد و العادلي, يوسف و عبد الرحيم, علي – أساسيات التكاليف والمحاسبة الادارية – منشورات ذات السلاسل – الكويت – 1990.
6.  مرعي, عبد الحي – في محاسبة التكاليف لأغراض التخطيط والرقابة – الناشر مؤسسة شباب الجامعة – الإسكندرية – مصر – 1985.
7.  هاشم, احمد محمد بسيوني – المحاسبة الادارية إطار نظري وأساليب عملية – مديرية دار الكتب للطباعة والنشر – جامعة الموصل – العراق – 1988.


                ثانياً: المصادر الأجنبية
1. UNEP - Workshop on Environment and Natural Resource Accounting - Environmental Economics Series - paper No. 3- February - 1992.
2. Allen, W. & Beaker, M, - Total Cost Assessment - Gataryizing Corporate Self Interest in Pollution Prevention - USEPA - Washington - 1992.
3. Schmidheiny, Stephan with the Business Council for Sustainable Development Changing Course - Copyright  Massachusetts Institute of Technology - USA - 1992.
4. UN-Handbook-of National Accounting - Integrated Environmental and
 Economic Accounting - Series, F. No. 61 - New York - 1993.
5. US- EPA - Incorporating Environment Costs and Considerations into Decision Making - Washington - 1996.
6. US- EPA - Accounting and Capital Budgeting for Environmental Costs
 Workshop - Washington - 1994.
7. US-EPA - Environmental Accounting Case Studies: Green Accounting
 AT, AT & T - Washington - September - 1995.
8. US-EPA - Appling Environmental Accounting to Electroplating Operations:
 An In, Depth Analysis - Washington - May - 1997. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق