الأحد، 7 أبريل 2013

الآثار الناجمة عن تطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية


 الآثار الناجمة عن تطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية


ملخص

يهدف هذا البحث إلى تقديم فهم عن طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. وتأتي أهمية هذا البحث من أهمية تكوين أساس يمكن الاعتماد عليه مستقبلاً في تقويم متطلبات الأنظمة المفروضة. نتائج هذا البحث مستمدة من دراسة ميدانية نوعية في طبيعتها تم إجراؤها على أربعة مكاتب مراجعة مختارة من بيئة مهنة مراجعة الحسابات في المملكة. وتشير بيانات هذه الدراسة إلى أن التزام مكاتب المراجعة محل البحث بتطبيق أنظمة السعودة المفروضة من شأنه أن يؤدي في جميع الأحوال إلى حدوث تغييرات يمتد أثرها ليشمل جانباً من المظاهر الغير ملموسة المتأصلة في هذه المكاتب والتي غالباً ما تشكل أساسها الثقافي والاجتماعي، بالإضافة إلى بعض المظاهر الفنية أو التقنية فيها. وفي ضوء معطيات المنهج النظري الذي تم توظيفه في جمع وتحليل بيانات هذه الدراسة، يخلص هذا البحث إلى أن الانقسام الملحوظ في وجهات نظر العاملين والقائمين على مكاتب المراجعة محل البحث حول مدى تقبل هذه التغييرات يحتم التمييز في وصف طبيعتها وآلية حدوثها.  


Abstract

The impacts of implementing regulations relating to the Saudisation policy on audit firms operating in the Kingdom of Saudi Arabia

This paper aims to provide an understanding of the nature and extent of changes that occurred or expected to occur within audit firms operating in the Kingdom of Saudi Arabia following their compliance to implement regulations related to the Saudisation policy. The significance of this paper comes from providing a basis upon which future evaluation of the requirements of the imposed regulations can be undertaken. The results of this paper are derived from a qualitative empirical study that has been conducted on four selected audit firms operating within the Saudi auditing environment. The results of this study suggest that the compliance of the audit firms under research to implement the imposed Saudisation regulations will lead in any case to the occurrence of changes that affect part of the intangible concepts embedded within these firms which normally constitute their cultural and societal bases, as well as some of their tangible or technical concepts. In the light of the details of the theoretical approach that has been applied in collecting and analysing the empirical data, this paper concludes that the remarkable split in the views of members of the audit firms under research regarding the extent to which they accept these changes must reflect in describing their nature and occurrence procedure.   

1- الإطار المنهجي للبحث

1-1 مقدمة
يهدف هذا البحث إلى تقديم فهم عن طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. وللأهمية فإن تطبيق سياسة السعودة لا يقتصر فقط على مهنة مراجعة الحسابات، بل إنه يمتد ليشمل غالبية المهن والأنشطة الاقتصادية في المملكة. فهذه السياسة تعد اليوم أحد المظاهر الهامة في بيئة العمل في المملكة. وبصفة عامة، تقوم سياسة السعودة على تبني فكرة توفير أكبر قدر ممكن من فرص العمل في المملكة للمواطنين. وتستمد سياسة السعودة أهميتها ليس فقط من كونها قائمة على تلبية مطلب اجتماعي ملح، بل أيضاً من كونها أداة تستخدم في دفع القطاع الخاص في المملكة إلى المشاركة بفاعلية أكبر في مواجهة الظروف والأوضاع الاقتصادية المتقلبة التي تواجهها الدولة. وللتأكيد فإن هذا البحث لا يهدف إلى مناقشة مفهوم سياسة السعودة أو تقييم أهدافها وفاعلية آلية تطبيقها أو حتى تحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بصفة عامة، وإنما يهدف تحديداً إلى فهم آثار تطبيقها على مكاتب المراجعة في المملكة.  

يعود ظهور أنظمة مرتبطة بتطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة في المملكة العربية السعودية إلى صدور نظام المحاسبين القانونيين الحالي بموجب المرسوم الملكي رقم م/12 وتاريخ 13-5-1412هـ       (1991م). فبالإضافة إلى نص النظام في مادته الثانية على اشتراط المواطنة وتوافر العضوية الأساسية بالهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين (شهادة الزمالة) في من يتقدم بطلب قيد اسمه في سجل المحاسبين القانونيين لدى وزارة التجارة، جاء في عدد من مواد النظام المذكور ولائحته التنفيذية نصوص تقتضي وجوب التزام مكاتب المراجعة والقائمين عليها من المحاسبين القانونيين في المملكة بمجموعة من التعليمات المرتبطة بسعودة مهنة مراجعة الحسابات، شملت ما يلي:
1- يجب على المحاسب القانوني المرخص له فردًا كان أو شركة مهنية توظيف نسبة من السعوديين لا تقل عن 20% من مجموع موظفيه الفنيين (المادة 16 من النظام، والمادة 10 من اللائحة التنفيذية).
2- يستمر العمل بالتراخيص الصادرة قبل نفاذ النظام للمحاسبين القانونيين الغير سعوديين أفراداً كانوا أو شركات شريطة الإلتزام بالمزاولة الفعلية للمهنة، والإقامة في المملكة مدة لا تقل عن تسعة أشهر في السنة، ومشاركة محاسب أو أكثر من المحاسبين القانونيين السعوديين على أن لا تقل نسبة مشاركة السعوديين في كل شركة عن 25% من رأس المال (المادة 36 من النظام، والمادة 15 من اللائحة التنفيذية).
3- مع مراعاة ما تقتضيه المادة الأولى من نظام الشركات المهنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/4 وتاريخ 18-2-1412هـ، يجوز التعاون بين المحاسبين القانونيين السعوديين المرخص لهم بمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة والمحاسبين القانونيين غير السعوديين غير المرخص لهم بمزاولة المهنة في المملكة شريطة أن يكون المحاسب غير السعودي مرخصاً له بمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة في بلده الأساسي وأن يوقعا عقد تعاون بينهما وفقاً للنموذج المعتمد من قبل الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين على أن يراعى التأكيد في ذلك العقد على مسؤولية المحاسب القانوني السعودي في مواجهة العملاء (المادة 14 من اللائحة التنفيذية).

إلى جانب ما ذكر أعلاه، تم تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لنظام الشركات المهنية المذكور في الفقرة 3 بموجب القرار الوزاري رقم 929 وتاريخ 29-8-1416هـ ظل بمقتضاه المجال مفتوحاً أمام الشركات المهنية الغير سعودية للعمل في المملكة بشرط توافر ممثل دائم على الأقل لكل شركة غير سعودية لا تقل مدة إقامته في المملكة عن تسعة أشهر في السنة وأن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي وعضواً بإحدى الجمعيات المهنية المتخصصة وأن لا تقل مدة خبرته عن عشر سنوات عمل متصلة. ولكن في ظل عدم إمكانية حصول الشركاء الغير سعوديين على تصريح مزاولة المهنة في المملكة وبالتالي عدم نظامية قيامهم بإمضاء تقارير عمليات المراجعة التي تتعاقد مكاتبهم على إنجازها، تبقى المسؤولية الأساسية للشركاء الغير سعوديين في الشركة المهنية محدودة في عمليات التمويل والإشراف والتطوير.
الأنظمة السابق عرضها تعد أدوات لتطبيق سياسة السعودة على مهنة مراجعة الحسابات في المملكة. أهمية هذه الأدوات لا تقتصر فقط على إلزامها النظامي، وإنما أيضاً على وجود برامج رقابية تقوم من خلالها وزارة التجارة والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين بمتابعة التزام مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة بتطبيقها. تقييم فاعلية هذه الأدوات يتطلب بشكل أساسي دراسة آثار تطبيقها العملي. من هنا يحاول هذا البحث دراسة طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة نتيجة التزامها بتطبيق الأنظمة المذكورة أعلاه.

1-2 هدف وأهمية البحث
يهدف هذا البحث إلى تقديم فهم عن طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. هذا الفهم يتطلب الإجابة على السؤال التالي:
إلى أي مدى أدى التزام مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة إلى إحداث تغييرات داخلية في هذه المكاتب، وبالأخص على كل من:
1- المظاهر الاجتماعية والثقافية الغير ملموسة، مثل رسالة المكتب وثقافته وقيمه وأهدافه.
2- المظاهر الفنية والتقنية، مثل طبيعة العمل والخدمات التي يقدمها المكتب لعملائه، بالإضافة إلى المظاهر   المادية الملموسة، مثل ممتلكات المكتب كالمبنى والأثاث وحسابات البنوك.
3- المظاهر الرقابية، مثل نظم الإتصالات والرقابة الداخلية وتعليمات وقرارات الإدارة.

وتأتي أهمية هذا البحث من أهمية تكوين أساس يمكن الاعتماد عليه مستقبلاً في تقويم متطلبات الأنظمة المرتبطة بتطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية. هذا الأساس لا يقتصر فقط على فهم الآثار الفنية أو التقنية التي ترتبت على التزام مكاتب المراجعة في المملكة بتطبيق أنظمة جديدة مفروضة عليها من جهات خارجية، وإنما يمتد ليشمل أيضاً أثر ذلك على ثقافة وقيم وأهداف مكاتب المراجعة محل البحث وتقاليدها التي تميزها عن مكاتب المهن الأخرى.

1-3 منهجية البحث
شهدت أدبيات المراجعة وبالأخص خلال العقدين السابقين ظهور دراسات توضح وتنادي باستخدام مناهج نوعية (Approaches Qualitative) في البحث المحاسبي Laughlin, 1995; Neu et al., 2001) (Chua, 1986;. ظهور هذه الاتجاهات الحديثة في مناهج البحث المحاسبي كان عائداً لقصور المناهج التقليدية أو الإيجابية (Traditional or Positive Approaches) في إبراز وتفسير النواحي الغير مرئية المؤثرة على الظواهر المحاسبية، والتي غالباً ماتكون مستمدة من المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمثل تلك الظواهر (المطيري ومتولي، 2002). وقد واكب تتابع ظهور مثل هذه الدراسات تجاوب ملحوظ من قبل الباحثين، وسجلت محاولات عديدة تؤكد على أن فهم الظواهر المرتبطة بممارسة وتنظيم مهنة مراجعة الحسابات على سبيل المثال لا يجب أن يتم فقط من خلال وصف المظاهر الفنية أو التقنية للمهنة دون الاهتمام بالجوانب الأخرى كالجذور الاجتماعية وما لها من تأثير في صياغة فكر وقيم وثقافة تلك الظواهر , 2001; Mitchell et al., 2001; Cullinan and Sutton, 2002)1997 Sikka ;1991 r,ShereTurley and ).  

يعتمد هذا البحث على منهج نظري مستمد من أدبيات دراسة التغيير في المنظمات في كشف وتحليل طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. هذا المنهج والذي تم تطويره بواسطة   (1991) Laughlin، و(1996) Broadbent and Laughlin قائم على فكرة أن كل منظمة تتكون نظرياً من ثلاثة مستويات مترابطة تشمل:
1- البرنامج التفسيري (SchemeInterpretive والذي تنعكس مكوناته في الأمور الغير ملموسة والتى غالباً ما تشكل الأساس الذي تقوم عليه المنظمة، مثل رسالة المنظمة وثقافتها وقيمها وأهدافها.
2- النظم المساندة (Systems-Sub)، والتي تنعكس مكوناتها في الأمور المادية الملموسة والتي يفترض أن تستخدم أو يتم توظيفها في ضوء متطلبات البرنامج التفسيري، مثل ممتلكات المنظمة كالمبنى والأثاث وحسابات البنوك.
3- آليات التوجيه (Mechanisms Steering)، والتي تنعكس مكوناتها على الأدوات الرقابية والتي من المفترض أن تستخدم في التأكد من أن النظم المساندة تعمل بشكل مناسب وملائم لتحقيق متطلبات البرنامج التفسيري، مثل نظام الرقابة الداخلية وتعليمات وقرارات الإدارة.

واستناداً إلى ذلك، يعتمد فهم الآثار الناجمة عن التزام أي منظمة باتباع أنظمة جديدة مفروضة عليها من جهات خارجية على قدرة هذه الأنظمة الجديدة على إحداث خلل في ترابط وانسجام المستويات الثلاثة المذكورة أعلاه. وللأهمية فإن النموذج المستخدم يفرق بين مستويين رئيسيين من التغييرات، هما:
1- تغيير من المستوى الأول (Change First Order):
   يترتب عن حدوث هذا المستوى إخلال بمكونات النظم المساندة وآليات التوجيه في حين لا تتأثر مكونات البرنامج التفسيري.
2- تغيير من المستوى الثانى (Change Order Second):
    يترتب عن حدوث هذا المستوى إخلال بمكونات البرنامج التفسيري بالإضافة إلى مكونات النظم المساندة وآليات التوجيه. حدوث هذا المستوى من التغيير قد يعود إلى أحد السببين التاليين:
   أ- تطور طبيعي ومقبول في مكونات البرنامج التفسيري (الأمور الغير ملموسة والتي تشكل الأساس الذي تقوم عليه أي منظمة) أدى بدوره إلى تطور طبيعي ومقبول في مكونات كل من النظم المساندة وآليات التوجيه.
  ب- تغيير غير مقبول ومفروض قصرًا على مكونات كل من النظم المساندة وآليات التوجيه بهدف إحداث تغيير غير ملائم على مكونات البرنامج التفسيري.   
 
وللأهمية فإن توظيف هذا المنهج النظري لا يتطلب قيام الباحث باختبار افتراضات محددة (مثل افتراض عدم قدرة مكاتب المراجعة في المملكة على الاستمرار نظراً لصعوبة إتباع الأنظمة الجديدة) أوتكوين تصور مسبق عن الحالة المثالية للظاهرة محل البحث (مثل افتراض آلية مثالية لاستيعاب الأنظمة الجديدة والتأقلم معها)، وإنما يتطلب بشكل أساسي اعتماد الباحث على الحوار المبني على النقاش الموضوعي الهادف والمقنع كأساس لاكتشاف الحالة المثالية للظاهرة محل البحث. استناداً إلى ذلك، تم الاعتماد في جمع وتحليل البيانات التي يتضمنها هذا البحث على الملاحظات والانطباعات التي تم الحصول عليها خلال الزيارات الميدانية لمواقع محددة (Case Study) شملت أربعة مكاتب مراجعة تعمل في المملكة، بالإضافة إلى التركيز على استخدام المقابلات الشخصية واللقاءات المفتوحة الغير مستندة إلى مضمون محدد (Unstructured Interviews) والتي لا تتطلب وجود صيغة محددة مسبقاً للأسئلة المستخدمة أو حتى آلية محددة لإدارة الحوار (تحديد وتوجيه ذلك لخدمة أهداف البحث يترك لظروف ومعطيات الحالة التي يكون عليها الباحث والمشاركون) مع عدد مختار من المهنيين العاملين في المكاتب المختارة. ولتدعيم نتائج البحث، تم - بالإضافة إلى منسوبي المكاتب الأربعة المختارة - إجراء مقابلات شخصية مع عدد آخر من الأشخاص الذين تم اختيارهم عشوائياً كممثلين لعدد من الجهات العاملة والمهتمة بمهنة المراجعة في المملكة. تضمن الاختيار ثمانية محاسبين قانونيين من خارج المكاتب الأربعة محل البحث، وثلاثة أكاديميين سعوديين، ومسئولاً من وزارة التجارة، وثلاثة أعضاء سابقين واثنين حاليين في مجلس إدارة الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين.                                                

وقد تم الاعتماد في تصنيف مكاتب المراجعة المرخصة في المملكة والبالغ عددها 102 مكتباً (أخبار الهيئة، العدد 23، 1420هـ) على متغيرين أساسيين هما: هوية المكتب (محلي، ومحلي مع تعاون أجنبي، ودولي)؛ وحجمه (صغير، ومتوسط، وكبير). ومع مراعاة مدى تقبل وتجاوب القائمين على المكاتب المختارة مع متطلبات البحث، تم اختيار أربعة مكاتب شملت: م1 (دولي/كبير)، و م2 (محلي/كبير)، و م3 (محلي/صغير)، و م4 (محلي مع تعاون أجنبي/متوسط). كما تمت عملية اختيار المشاركين في المقابلات الشخصية واللقاءات المفتوحة من المهنيين العاملين في مكاتب المراجعة المختارة بناءاً على أخذ عوامل محددة في الاعتبار شملت: مراعاة التنوع في المراتب الوظيفية ومستويات الخبرة، بالإضافة إلى التأكد من الإلمام بأبعاد الموضوع محل البحث والرغبة في المساهمة. توضح القائمتان 1 و2 أدناه على التوالي بعض الملامح الرئيسية للمكاتب المختارة ومنسوبيها المختارين للمشاركة في البحث. 

   الخصائص
المكتب
عدد الملاك
عدد المهنيين
عدد الفروع
سعوديون
أجانب
المجموع
سعوديون
أجانب
المجموع
م1
2
3
5
34
187
221
3
م2
3
-
3
9
45
54
9
م3
1
-
1
3
22
25
2
م4
2
-
2
7
43
50
2

القائمة 1: الملامح الرئيسية لمكاتب المراجعة محل البحث.

  المشاركون
المكاتب
الملاك
المدراء ومن في حكمهم
مراجعون وفنيون آخرون
سعوديون
أجانب
المجموع
سعوديون
أجانب
المجموع
سعوديون
أجانب
المجموع
م1
1
1
2
4
6
10
3
12
15
م2
2
-
2
2
4
6
4
12
16
م3
1
-
1
1
2
3
1
7
8
م4
1
-
1
2
4
6
2
9
11

القائمة 2: المشاركون في البحث من منسوبي مكاتب المراجعة المختارة.

1-4 مراجعة الأدبيات ذات العلاقة
لاقت سياسة السعودة خلال العقدين السابقين إهتمام العديد من الباحثين على اختلاف اهتماماتهم في المملكة العربية السعودية. وقد انصب البحث حول هذه السياسة على مناقشة مفهومها كظاهرة، وتقييم أهدافها وفاعلية ومتطلبات وآليات تطبيقها على القطاعين العام والخاص، وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بصفة عامة.

في المقابل، تفتقر أدبيات المراجعة إلى الدراسات والبحوث المرتبطة بتطبيق سياسة السعودة على مهنة المراجعة، فضلاً عن افتقارها أساساً للدراسات والبحوث المرتبطة بفهم وتقييم العلاقة بين مكاتب المراجعة والأجهزه القائمة على تنظيم وإدارة المهنة في المملكة (المطيري والعنقري، 1423هـ). وعلى الرغم من أن هذه العلاقة في كثير من الدول تحضى بكثير من اهتمام الباحثين، إلا أن البحث المرتبط ببيئة مراجعة الحسابات في المملكة كان ولايزال منصباً على الجوانب الفنية والتقنية المرتبطة بممارسة وتنظيم المهنة (جاد الله، 1392هـ؛ أحمد، 1404هـ؛ Shinawi and Crum, 1971) وما يرتبط بهما من قضايا، مثل التعليم المحاسبي في المملكة (1985 ,Yavas and(Abdeen ، والمعايير المهنية المحلية وأساليب الممارسة (الوابل، 1410هـ؛ طاحون، 1418هـ؛ الجبر وعبد المنعم، 1420هـ). ويعود ذلك بشكل مباشر إلى قصر الفترة الزمنية لتوافر مقومات أهمية هذه العلاقة. فالمهنة قبل صدور نظام المحاسبين القانونيين لعام 1412هـ كانت تمارس في المملكة بقدر واسع من الحرية، وذلك بسبب عدم وجود آليات رقابية تكفل التزام الممارسين بالأنظمة والتشريعات المهنية وغيرها من التعليمات الصادرة عن الجهة المختصة بوزارة التجارة بصفتها المسؤولة عن تنظيم وإدارة المهنة في المملكة. كما أن تعدد واختلاف أساليب الممارسات المهنية الناتجين عن هذه الحرية واكبهما قصور واضح في الأنظمة والتشريعات المهنية المحلية الملزمة.

معظم المحاولات الأكاديمية التي تزخر بها أدبيات المراجعة كانت ولازالت تقوم على توظيف أطر نظرية تقليدية تربط مفهوم العلاقة بين مكاتب المراجعة والأجهزه القائمة على تنظيم وإدارة المهنة بنظرية الوكالة Theory) Agency)، والتي تقوم على فرضية أن هناك علاقة مصلحة تبادلية بين الرئيس        (Principal) والمرؤوس (Agent) يحاول من خلالها الأخير العمل لتحقيق أهداف الأول في سبيل الحصول على المردود المناسب. من خلال تبني هذا المنظور التقليدي غالباً ما يتم تبرير العلاقة السابق ذكرها على أساس أن الأجهزة القائمة على تنظيم وإدارة المهنة (الرئيس) تقوم على فرض السياسات المهنية التي تكفل حماية واستقرار مكاتب المراجعة (المرؤوس)، في حين تحرص هذه المكاتب على تطوير جودة أدائها المهني إلى المستوى الذي يكفل ظهور المهنة بشكل يلبي متطلبات خدمة الصالح العام (1991Hooks,  ;1985 ,Benston).
في المقابل، دراسات قليلة نسبياً حاولت بحث مفهوم العلاقة بين مكاتب المراجعة والأجهزة القائمة على تنظيم وإدارة المهنة من خلال توظيف أطر نظرية نقدية وتفسيرية (2003(Al-Angari and Sherer, . في مثل تلك الدراسات لا يقتصر التركيز في تبريرهذه العلاقة على مسألة المنفعة التبادلية بين الرئيس والمرؤوس كما هو الحال عند توظيف نظرية الوكالة، بل إنه يتعدى ذلك ليشمل العوامل غير المرئية التي تساهم في تحديد معالم هذه العلاقة. وكان لشكل التنظيم الذاتي (Regulation Self) في تنظيم مهنة المراجعة النصيب الأكبر من الانتقادات(Sikka, 2002) ، والتي كانت في مجملها تتركز حول سوء استخدام السلطة المكتسبة في تنظيم مهنة المراجعة من قبل المهنيين برغم رفعهم الدائم لشعار حماية الصالح العام (1997 ,Humphrey ;1992 Sikka et al., ;1970 ,Lee). فعلى سبيل المثال أبرزت تلك الدراسات اتجاه العديد من أجهزة التنظيم المهني لاستخدام مصطلحات غير معرفة بدقة مثل مصطلح "صدق وعدالة" ("Fair and True") والذي عادةً ما يستخدم في تقرير المراجع النهائي بهدف حماية المراجع وذلك عن طريق ترك المجال مفتوحاً أمامه لاختيار التفسير الذي يناسبه (1985 ,Miller). مثال آخر هو تسليط الضوء على مساعي أجهزة التنظيم المهني المدارة من قبل مهنيين في توسيع نطاق مجال عمل مكاتب المراجعة وذلك من خلال فسح المجال أمامهم لتقديم العديد من الخدمات الاستشارية المالية والإدارية برغم تأثير ذلك على استقلالية المراجع في حالة تقديم مثل تلك الاستشارات لعملاء خدمة المراجعة (1995  ,Pany  and  Lowe).

وامتداداً للاتجاه النقدي الموضح أعلاه في بحث مفهوم العلاقة بين مكاتب المراجعة والأجهزه القائمة على تنظيم وإدارة المهنة يعتمد هذا البحث على توظيف إطار نظري مستمد من أدبيات دراسة التغيير في المنظمات في إجراء دراسة ميدانية نوعية تهدف إلى كشف وتحليل طبيعة ونطاق التغييرات (المرئية وغير المرئية) التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة.



1-5 خطة البحث
سبق الإشارة إلى أن هذا البحث يهدف إلى تقديم فهم عن طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. ولعرض ما تم التوصل إليه من واقع الدراسة الميدانية التي أجراها الباحث خلال تسعة أشهر، فقد تم تقسيم الجزء المتبقي من هذا البحث إلى ثلاثة أقسام رئيسية تليها خاتمة تتضمن ملخصاً للنتائج والتوصيات التي يقدمها البحث. يقدم القسم الثاني نبذة مختصرة عن تطور مهنة مراجعة الحسابات في المملكة العربية السعودية. أما القسم الثالث فيستعرض أهم البيانات والمعلومات التي تم الحصول عليها خلال مراحل تنفيذ الدراسة الميدانية، بما في ذلك البيانات والمعلومات التي أفرزتها اللقاءات المفتوحة والمقابلات الشخصية والتي جمعت الباحث بعدد مختار من المهنيين العاملين في مكاتب المراجعة محل البحث بالإضافة إلى الأشخاص الذين تم اختيارهم كممثلين لعدد من الجهات المهتمة بمهنة المراجعة في المملكة. وأخيراً يقدم القسم الرابع تحليلاً ومناقشةً لما تم استعراضه في القسم الثالث من بيانات ومعلومات ميدانية بهدف تحديد طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة المختارة نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة في ضوء المنهج النظري المستخدم.

2- نبذة عن تطور مهنة مراجعة الحسابات في المملكة العربية السعودية

تعد الفترة الزمنية لتطور مراجعة الحسابات في المملكة العربية السعودية قصيرة نسبياً. فممارستها في المملكة كمهنة تعود فقط لعام 1370هـ (1950م)، حينما لاقت أول قبول نظامي من خلال نظام ضريبة الدخل لنفس العام[1]. ولكن رغم قصر تلك الفترة، شهدت مهنة مراجعة الحسابات في المملكة مراحل تطويرية متعددة: مروراً بالبدايات حينما كانت تمارس في ظل غياب نظام[2]؛ إلى ظهور بعض الشروط المتعلقة بأهلية المراجع وحقوقه وواجباته بموجب نظام الشركات لعام 1385هـ (1965م)؛ إلى ظهور أول نظام للمحاسبين القانونيين في عام 1395هـ (1974م)، والذي لم تسعفه محدودية مواده في تحقيق الحد الأدنى لمتطلبات تنظيم المهنة الأساسية من معايير وقواعد سلوك مهنية وبرامج رقابية وغير ذلك؛ إلى أن صدرت أول معايير مهنية تتعلق بمزاولة المهنة من قبل وزارة التجارة في عام 1410هـ (1989م)[3]، كنتيجة لجهود حثيثة بذلتها الوزارة بمساعدة أحد المكاتب المهنية الوطنية الرائدة في مجال مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة[4]. شهدت تلك المراحل بالإضافة إلى ما سبق توالي عقد مجموعة من الندوات الأكاديمية في جامعة الملك سعود حول "سبل تطوير مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة" والتي نتج عن أولها إنشاء أول جمعية أكاديمية محاسبية في المملكة تحت مسمى "جمعية المحاسبة السعودية" في عام 1401هـ (1981م).

ولكن ظلت المهنة في المملكة خلال المراحل المذكورة أعلاه تعاني من أمرين أساسيين. يتعلق الأمر الأول بغياب النظام المناسب للتعليم والتدريب المحاسبي والمهني، وبالتالي قلة الموارد البشرية الوطنية المؤهلة. بينما يتعلق الأمر الثاني بغياب الجهاز المختص بتنظيم المهنة وإدارتها وتطويرها. هذا الغياب للجهاز التنظيمي أدى بدوره إلى غياب الأنظمة والمعايير وقواعد السلوك الإلزامية المتعلقة بممارسة المهنة، وبالتالي صعوبة مقارنة أو الحكم أو مراقبة الأداء المهني. هذه الصعوبات أدت إلى ظهور فجوة بين التطور الاقتصادي ووضع المهنة المواكب لتلك المراحل. فبالرغم من التزايد الملحوظ في أعداد المكاتب المهنية المحلية والدولية إلا أن جودة الأداء المهني كانت تعتمد خلال تلك المراحل على المهنيين أنفسهم.
ويعود الهيكل التنظيمي لمهنة مراجعة الحسابات في المملكة في شكله الحديث الذي هو عليه اليوم إلى صدور نظام المحاسبين القانونيين الحالي بموجب المرسوم الملكي رقم م/12 وتاريخ 13-5-1412هـ       (1991م). صدور هذا النظام أحدث نقلة نوعية في طبيعة تنظيم وممارسة مهنة مراجعة الحسابات في المملكة. فالنظام من خلال مادته التاسعة عشر نص على إنشاء الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، كجهاز تنظيمي مختص يعمل تحت إشراف وزارة التجارة ويدار بواسطة مجلس إدارة يضم ممثلين لأطراف عديدة مهتمة بالمهنة في المملكة. وقد استطاعت الهيئة خلال العقد السابق توفير الإمكانات والمقومات الأساسية لتنظيم ممارسة المهنة في المملكة. كان ذلك من خلال آلية عمل تستند على تقسيم إنجاز مهام الهيئة الأساسية التي نص عليها نظام المحاسبين القانونيين لعام 1412هـ (1991م) من إعداد وتطوير معايير وقواعد سلوك مهنية، وتنظيم اختبارات الزمالة ودورات التدريب والتعليم المستمر، ومراقبة جودة الأداء المهني لأعضاء المهنة على عدد من اللجان الفنية المتخصصة التي تعمل تحت إشراف مجلس إدارة الهيئة. يتمثل الأساس الذي يقوم عليه اليوم تنظيم وممارسة مهنة مراجعة الحسابات في المملكة إذًا في وجود الهيئة وتوالي مخرجات عمل لجانها الفنية من معايير وقواعد وبرامج رقابية وتدريبية، بالإضافة إلى وجود نظام (نظام المحاسبين القانونيين لعام 1412هـ) يحدد بوضوح شروط وإجراءات القيد في سجل المحاسبين القانونيين والتزامات المحاسب القانوني وطبيعة الجزاءات التي تطبق على من يخالف أحكام النظام.

ختاماً، يجدر بنا الإشارة إلى أن هناك علاقة متأصلة بين تطور مهنة مراجعة الحسابات في المملكة وما يحيط بها من أحداث وظروف ومداولات اجتماعية واقتصادية وسياسية. فصدور نظام المحاسبين القانونيين لعام 1412هـ (1991م) سبقه تراكم لسلسلة من الأحداث والظروف والمداولات، بدءاً بتأخر التعليم المحاسبي واقتصار دور المهنة على خدمة أطراف محددة (إدارات الشركات) لتحقيق أهداف محددة (الوفاء بمتطلبات أنظمة الزكاة والضريبة) عندما كانت المهنة تمارس في ظل غياب نظام، ومروراً بصدور مراسيم ملكية لإقرار أنظمة (نظام الشركات ونظام المحاسبين القانونيين الأول) تحكم عملية إصدار تراخيص مزاولة المهنة وتحدد بعض واجبات وحقوق الممارسين في ظل فترة شهدت نمواً اقتصادياً كبيراً، وإنتهاءاً بظهور نتائج جهود عدد من الأطراف المهتمة بالمهنة (تأسيس جمعية المحاسبة السعودية وصدور قرارات وزارية للاسترشاد ومن ثم الالتزام بعدد من المعايير المهنية) والتي جاءت تلبية لنداءات متعددة لإحداث تغيير في أسلوب تنظيم المهنة من قبل الكثير من المهتمين لمواكبة فترة شهدت تقلبات اقتصادية واعتماداً أكبر من قبل الدولة على القطاع الخاص.

3- الدراسة الميدانية

يهدف هذا البحث إلى تكوين فهم عن طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. ويعتمد هذا البحث في تحقيق ذلك الهدف على نتائج دراسة ميدانية نوعية أجراها الباحث خلال تسعة أشهر. هذه الدراسة تركزت على أربعة مكاتب مراجعة مختارة (من م1 الى م4). وفي ظل معطيات وأفكار المنهج النظري المستخدم، تم الاعتماد بشكل أساسي في جمع البيانات والمعلومات على استخدام المقابلات الشخصية واللقاءات المفتوحة مع عدد مختار من المهنيين العاملين في مكاتب المراجعة محل البحث. اختيار المشاركين في المقابلات الشخصية واللقاءات المفتوحة سبقته مرحلة تقصٍ تم خلالها جمع معلومات عن تطور المهنة ووضعها الراهن من حيث التنظيم والممارسة في المملكة، بالإضافة إلى معلومات متنوعة مرتبطة بخلفية المكاتب محل البحث وأهدافها وسياساتها وتنظيمها الداخلى ومستوى الكوادر المهنية العاملة بها من حيث الخبرة والتأهيل الأكاديمي والعملي، ونوعية الخدمات المهنية التي تقدمها، وأساليب وتقنيات العمل والاتصال والرقابة المستخدمة، وطبيعة العلاقات التي تربط المهنيين وغيرهم من العاملين بهذه المكاتب. كما تم خلال هذه الدراسة إجراء مقابلات شخصية مع عدد مختار من الأشخاص كممثلين لعدد من الجهات العاملة والمهتمة بمهنة المراجعة في المملكة. يقدم هذا القسم (من خلال ثلاثة أقسام فرعية) عرضاً تفصيلياً لأهم البيانات والمعلومات التي تحصل عليها الباحث خلال مراحل إجراء هذه الدراسة، فيما يقدم القسم القادم تحليلاً ومناقشةً لما تم استعراضه في هذا القسم من بيانات ومعلومات ميدانية بهدف تحديد طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة المختارة نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة في ضوء المنهج النظري المستخدم.





3-1 وجهات النظر حول فرض أنظمة السعودة على المكاتب
تفاوتت وجهات النظر العامة للمهنيين العاملين في كل مكتب من المكاتب الأربعة المختارة حول تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة في المملكة بين مؤيد بشكل مطلق ومؤيد مع بعض التحفظات ومعارض. أصحاب الرأي الأول (مؤيد بشكل مطلق) وهم الأقلية يعتقدون بأن تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة في المملكة يعد أمراً ضرورياً في ظل توافر الكوادر الوطنية المؤهلة. أصحاب هذا الرأي يتفقون تماماً مع الرأيين التاليين، الأول لأحد الأكاديميين الذين تم إجراء مقابلات شخصية معهم والثاني لمراجع مبتدئ لدى م2:
"يجب أن تساهم المكاتب المهنية كجزء من القطاع الخاص في مواجهة الارتفاع المستمر في معدل البطالة وذلك من خلال توفير فرص وظيفية أكبر لخريجي أقسام المحاسبة خاصةً في ظل محدودية هذه الفرص وتزايد أعداد الخريجين...تحقيق ذلك يتطلب أن يكون لدى القائمين على المكاتب المهنية دافع وطني."

"هناك أسباب جوهرية تقتضي ضرورة تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المحاسبين القانونيين في المملكة: أولاً، تمادي القائمين على المكاتب المهنية في عدم السعي على توفير مناخ العمل الذي يتلائم مع طبيعة المواطن السعودي... ثانياً، وفرة الكفاءات الوطنية المؤهلة وإرغام المكاتب المهنية علىعدم الاستمرار في إغفال هذه الكفاءات استناداً إلى مبررات واهية...ثالثاً، تزايد الإقبال على العمل في المكاتب المهنية...وأخيراً، خطورة المهنة والتي تكمن في قدرة أعضائها على تكوين تصور موسع عن طبيعة ومقومات الوضع الاقتصادي المحلي، خاصةً وأن لديهم القدرة دون غيرهم على الإطلاع على الحسابات المالية للمؤسسات والشركات على اختلاف أحجامها وأشكالها النظامية."

أما أصحاب الرأي الثاني (مؤيد مع بعض التحفظات) فهم على الرغم من تأييدهم التام لفكرة تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة في المملكة إلا أن لديهم بعض التحفظات المتعلقة بمتطلبات التطبيق، كما يتضح من خلال الرأيين التاليين، الأول لأحد الشركاء في م1 والثاني للمالك والمحاسب القانوني الأوحد في م3:
"السعودة قضية تحضى باهتمام الدولة والمجتمع بصفة عامة...نحن في هذا المكتب وبشهادة الجميع نحاول ونبذل كل ما في وسعنا لدعم وتشجيع الكوادر الوطنية الطموحة...نحرص سنوياً على زيارة أقسام المحاسبة في معظم الجامعات السعودية لعقد لقاءات مع الطلبة المنتظر تخرجهم لإعطائهم فكرة عن شروط العمل لدينا...نقوم سنوياً بتعيين ما لا يقل عن عشرين مراجع مبتدئ، ولكن بالرغم مما نقدمه من رواتب ومميزات مغرية نجد صعوبة كبيرة في إقناع السعوديين منهم بالاستمرار لأكثر من ثلاث سنوات... لذلك نحن في هذا المكتب ومن خلال التجربة نعتقد بأن توظيف مستجدين سعوديين يعد استثماراً بلا عائد."

"هناك انطباع سائد لدى القائمين على المكاتب المهنية بأن توظيف مواطنين يعد أمراً مكلفاً، ليس فقط بسبب الارتفاع النسبي في معدلات رواتب السعوديين - قياساً برواتب موظفي المكاتب من غير السعوديين - وإنما أيضاً بسبب ما قد يترتب عن قلة كفاءة وخبرة المستجد السعودي من التزامات مادية أكبر على المكاتب نتيجة على سبيل المثال الحاجة إلى توفير برامج تدريبية بشكل مكثف ولمدد أطول."

في المقابل، يرى أصحاب الرأي الثالث (معارض) أن تطبيق سياسة السعودة على المكاتب المهنية لا يعد أمراً مقبولاً على الإطلاق ومن شأنة أن يؤدي إلى نتائج سلبية، كما يتضح من خلال الرأيين التاليين، الأول لأحد الشركاء في م1 والثاني لمدير المكتب في م3:
"نحن الآن لا نستطيع تطبيق أنظمة المكتب الخاصة بالترقيات، نظراً لأن الحصول على تراخيص مزاولة المهنة في المملكة أصبح بموجب نظام المحاسبين القانونيين مقصوراً على المواطنين...التزام مكتبنا بتطبيق مثل هذه السياسات الوطنية قد يترتب عليه تغيير الهوية الحقيقية للمكتب...إدارة المكتب الإقليمية ستواجه مشاكل كبيرة في إيجاد الحلول المناسبة لعدد كبير جداً من موظفي المكتب من غير السعوديين، فلن يقبل أي منهم ما قد يترتب عن التزام مكتبنا بتطبيق مثل هذه السياسات الوطنية...موظفوا المكتب من غير السعوديين لن يتمكنوا من أن يحققوا طموحهم المشروع في أن يصبحوا محاسبين قانونيين يوماً ما في المستقبل، فضلاً عن أن حظوظهم في الحصول على ترقيات لمراتب وظيفية متقدمة ستتقلص بشكل كبير كنتيجة طبيعية لفقدانهم فرصة الحصول على التراخيص النظامية والتي تعد المتطلب الأساسي في التقدم للمراتب العليا في أي مكتب مهني."

"كيف يعقل أن يفقد أي مهني فرصة الحصول على ترخيص مزاولة المهنة لمجرد أنه لا يحمل الجنسية السعودية، مع العلم أن المملكة في صدد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية!...على المستوى الشخصي أشعر بكثير من الإحباط، ليس فقط بسبب عدم إمكانية حصولي على التقدير الذي أعتقد أنني أستحقه بعد أن قضيت أكثر من عشرين عاماً في العمل في مهنة المراجعة بالمملكة، وإنما أيضا بسبب عدم الاستقرار والخوف من المستقبل المجهول كأي مهني أجنبي يعمل لدى مكتب فردي في المملكة...سنواجه - أنا ومن هم على شاكلتي من موظفي المكتب - متاعب كبيرة في حالة توقف صاحب المكتب عن ممارسة المهنة بسبب وفاته لاسمح الله أو لأي سبب كان...فلن نستطيع الاستمرار في العمل بالمكتب بدون وجود محاسب قانوني مواطن ومرخص، فضلاً عن أننا لن نجد بأي حال من الأحوال من يقدم لنا فرص عمل لائقة."

هذا التفاوت الملحوظ في وجهات النظر العامة للمهنيين العاملين في كل مكتب من المكاتب الأربعة المختارة حول فرض تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة صاحبه تفاوت مماثل في وجهات النظر حول طبيعة الظروف المصاحبة لفرض هذه الأنظمة المذكورة وردود الفعل المنتظرة لمقابلتها، كما يتضح من خلال القسمين الفرعيين القادمين.

3-2 الظروف المصاحبة لفرض أنظمة السعودة على المكاتب
مؤيدو تطبيق أنظمة السعودة في مكاتب المراجعة اتفقوا على عدم وجود عوائق جوهرية تحد من قدرة المكاتب على الالتزام الكامل بتطبيق أنظمة السعودة. فالظروف مواتية - من وجهة نظر هذا الفريق - لمكاتب المراجعة في المملكة للالتزام والتكيف مع تطبيق أنظمة السعودة المفروضة، فضلاً عن أن بيئة المهنة الحالية في المملكة تعد مهيئة بشكل كاف لاستيعاب ما قد يترتب عن التزام المكاتب بتطبيق مثل هذه الأنظمة من تغييرات. لذلك لا يجد أصحاب هذا الرأي أي مبرر لعدم التزام القائمين على هذه المكاتب بتطبيق الأنظمة المفروضة. الرأي التالي لعضو حالي في مجلس إدارة الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين يعكس هذا التوجه بكل بساطة ووضوح:
"لا أرى ما يبرر عدم تقيد المكاتب بتطبيق أنظمة السعودة خاصةً في ظل معقولية متطلباتها...لايوجد ما يحد من قدرة المكاتب المهنية على الالتزام بالسعودة."

في المقابل، انصب تركيز من لديهم بعض التحفظات على تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة في المملكة على بعض المشاكل التي تعاني منها بيئة المراجعة في المملكة. جسامة هذه المشاكل - من وجهة نظر هذا الفريق - تسير مع مرور الوقت نحو الانخفاض التدريجي في ظل التطور الملحوظ والمستمر في أساليب تنظيم وإدارة المهنة في المملكة. الرأيان التاليان الأول لأحد الشركاء في م4 والثاني لأحد الأكاديميين الذين تم إجراء مقابلات شخصية معهم يلخصان أهم ما ورد في حوارات الباحث مع أصحاب هذا التوجه:
"نعاني بشكل أساسي من ظاهرة انخفاض الأتعاب المهنية...ففي سبيل الاحتفاظ بعقد عميل معين غالباً ما نجد أنفسنا مضطرين لمنحه تخفيضاً سنوياً على قيمة الأتعاب المهنية التي نتقاضاها منه بغض النظر عن حجم وكلفة أي عمل مهني إضافي مترتب على سبيل المثال عن قيام هذا العميل بتطوير النظم المحاسبية والرقابية التي يستخدمها أو استبدالها بنظم جديدة أو حتى التوسعات والنمو الطبيعي التدريجي في حجم الأنشطة التي يزاولها...ظهور وتفشي هذه الظاهرة يعود للمنافسة الغير شريفة بين المكاتب لجلب العملاء وهي سبب رئيسي لمحدودية إقبال المكاتب على تعيين مهنيين سعوديين تفادياً لتحمل مزيد من التكاليف...مواجهة هذه المشكلة تتطلب وجود أساس مهني موحد يحكم تقدير الأتعاب المهنية بين المكاتب...ما يدعوني للتفاؤل في إمكانية تلاشي هذه المشكلة قريباً يكمن في تلمسنا لبدء ظهور نتائج جهود لجنة مختصة تقوم سنوياً بدراسة وتقييم جودة الأداء المهني لجميع المكاتب من خلال برامج رقابية محددة تشمل على وجه الخصوص ربط وتقييم كلفة حجم العمل المهني المقبول مع قيم أتعاب العمليات."

"مواكبة التطور في النظم المحاسبية يتطلب بشكل أساسي قيام المكاتب بتوفير برامج تدريبية مستمرة لمنسوبيها من المهنيين...غالبية مكاتب المراجعة في المملكة لا تولي ذلك الأهمية الكافية بل وتحرص على تخفيض الإنفاق على تطوير القدرات المهنية لمنسوبيها بحجة محدودية متطلبات العمل المهني في المملكة...استمرار وجود برامج للتعليم المهني المستمر سيساهم بلا شك في مقابلة وتفادي محدودية ما توفره المكاتب لمنسوبيها من برامج تدريبية خاصةً وأن الالتزام بمتطلبات هذه البرامج يعد الآن إجبارياً."

أما أصحاب الرأي المعارض لفرض تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة في المملكة فهم يؤكدون على وجود عوائق جوهرية تحد من قدرة المكاتب على الالتزام الكامل بتطبيق أنظمة السعودة. فبالإضافة إلى المشاكل المذكورة أعلاه والتي تعاني منها بيئة المراجعة في المملكة يرى أصحاب هذا الرأي أن إلزام المكاتب بتطبيق أنظمة السعودة سيؤدي إلى نتائج سلبية قد تحد من قدرة غالبية المكاتب على الاستمرار.  فالمشكلة من وجهة نظر هؤلاء لا تقتصر فقط على كيفية تفادي المشاكل التي تعاني منها بيئة المراجعة في المملكة (مثل تفشي المنافسة الغير شريفة بين المكاتب وظاهرة انخفاض الأتعاب المهنية) وإنما أيضا على كيفية إحداث تغييرات داخلية تمس أهداف مكاتب المراجعة وأساسها الفكري والثقافي. فرض تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة تعد - من وجهة نظر هذا الفريق - أمراً مكلفاً جداً سيؤثر بلا شك على أرباح هذه المكاتب وجودة العمل المهني الذي تقدمه فضلاً عما قد يصاحبه من مشاكل وانشقاقات داخلية بين العاملين في كل مكتب.
         
3-3 ردود الفعل المنتظرة لمقابلة فرض أنظمة السعودة على المكاتب
لوحظ أن هناك تفاوت مماثل في ردود الفعل للعاملين والقائمين على مكاتب المراجعة في مقابلة أنظمة السعودة المفروضة. فالفريق المؤيد لفرض تطبيق هذه الانظمة يجزم على عدم شرعية قيام مكاتب المراجعة بوضع أي ترتيبات بهدف عرقلة التزامها الكامل بمتطلبات الأنظمة المفروضة. كما يؤكد أصحاب هذا الرأي على مسئولية كل من وزارة التجارة والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين في وضع الترتيبات اللازمة لضمان التزام المكاتب بتطبيق جميع متطلبات الأنظمة المفروضة. الرأي التالي لمراجع قديم في م4 يعكس هذا التوجه بكل وضوح:
"صدور نظام المحاسبين القانونيين وما تبعه من أنظمة وتعليمات مهنية أدى إلى إحداث نقلة نوعية ملموسة لمهنة المراجعة في المملكة. هذه النقلة استدعت قيام مكاتب المراجعة باتخاذ إجراءات وترتيبات تصحيحية داخلية على نطاق واسع شمل الجانبين المهني والإداري فيها. إعتماد أنظمة السعودة وإلزام مكاتب المراجعة بتطبيقها لا يعدو كونه عبئاً جديداً يجدر بالمكاتب استيعابه والتأقلم معه بفاعلية تعكس أهميته خاصةً وأنه مرتبط بقضية وطنية...ضمان التزام المكاتب يعتمد بشكل مباشر على فاعلية ترتيبات المتابعة والاجراءات الرقابية المصاحبة."

وبالمثل لا يجد أصحاب الرأي المتحفظ ما يبرر حدوث أي ردود فعل معاكسة، إلا أنهم يركزون على أهمية دور الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين بصفتها الجهة المسئولة على تنظيم وإدارة المهنة في المملكة في تقديم المشورة والعون للمكاتب فضلاً عن تفهم طبيعة المصاعب التي تصاحب تطبيق متطلبات الأنظمة المفروضة. أصحاب هذا الرأي يتفقون تماماً مع وجة النظر التالية لمدير مراجعة لدى م1:
"متابعة التزام المكاتب يجب أن تتسم بالمرونة...إلزام المكاتب بالتطبيق الكامل لمثل هذه الأنظمة لا يجب أن يتم بشكل فوري...لابد من وجود مرحلة إنتقالية تتخللها فترة استعداد تقوم المكاتب خلالها بإعادة ترتيب أوراقها الداخلية خاصةً فيما يتعلق بإيجاد الكوادر الوطنية وتأهيلها التأهيل المهني المناسب...أهمية دور الهيئة خلال هذه المرحلة يكمن في المساهمة بفاعلية في توفير المناخ الملائم لتطبيق الأنظمة بالشكل المطلوب وذلك من خلال المساهمة في سرعة تأهيل الكوادر الوطنية وتوفير آلية تطبيق استرشادية مناسبة مع تقديم المشورة والعون للمكاتب."

في المقابل يؤكد أصحاب الرأي المعارض لفرض تطبيق سياسة السعودة على مكاتب المراجعة في المملكة على حتمية قيام القائمين على المكاتب بإيجاد أساليب تكفل تفادي تطبيق هذه الأنظمة بالشكل المطلوب. فقد يتم ذلك على سبيل المثال من خلال استخدام سياسة إحلال مبتدئين سعوديين جدد في كل عام أو عامين مقابل الاستغناء عن خدمات مماثلين (مبتدئين سعوديين آخرين) على رأس العمل على نحو مستمر. أو قد نرى مدير مراجعة غير سعودي يمارس مهام الشريك (شريك بالباطن) عدا الإمضاء على تقارير المراجعة حتى لا ينكشف أمره. كما قد يوجد المحاسبون القانونيون الغير سعوديين ممن حصلوا على تراخيص قبل صدور النظام (نظام المحاسبين القانونيين لعام 1412هـ/1991م) لأنفسهم حججاً وأساليب عديدة كالإشراف على عمليات بالخارج بهدف البقاء خارج المملكة لمدد تفوق الحد النظامي سنوياً أو عدم الالتزام بحضور الدورات التدريبية الإلزامية. وعلى الرغم من غير نظاميتها فإن كل هذه الأساليب وغيرها تمثل -من وجهة نظر هذا الفريق - ردود فعل طبيعية لامتصاص جسامة تأثير تطبيق الأنظمة المفروضة. درجة حساسية النقاش مع مؤيدي هذا التوجة كانت مرتفعة إلى حد يفوق التصور. حتى أن الكثير منهم استخدم عبارات حادة للتعبير عن مدى سخطه واستيائه من فرض أنظمة السعودة. وبصفة عامة يتفق أصحاب هذا التوجه على اعتبار فرض تطبيق أنظمة السعودة على مكاتب المراجعة من حيث المبدأ أمراً مرفوضاً باعتباره تدخلاً غير مهني في سياسات المكاتب وشئونها الداخلية فضلاً عن أنه يعد مخالفة صريحة لمقومات عصر العولمة.

 





4- تحليل ومناقشة: طبيعة ونطاق التغييرات

سبق الإشارة إلى أن هذا البحث يعتمد على منهج نظري مستمد من أدبيات دراسة التغيير في المنظمات في كشف وتحليل طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. وسبق الإشارة أيضاً إلى أن هذا المنهج قائم على فكرة أن كل منظمة تتكون نظرياً من ثلاثة مستويات مترابطة تشمل البرنامج التفسيري (الأمور الغير ملموسة والتى غالباً ما تشكل الأساس الذي تقوم عليه المنظمة، مثل رسالة المنظمة وثقافتها وقيمها وأهدافها)، و النظم المساندة (الأمور المادية الملموسة والتي يفترض أن تستخدم أو يتم توظيفها في ضوء متطلبات البرنامج التفسيري، مثل ممتلكات المنظمة كالمبنى و الأثاث وحسابات البنوك)،  وآليات التوجيه (الأدوات الرقابية والتي من المفترض أن تستخدم في التأكد من أن النظم المساندة تعمل بشكل مناسب وملائم لتحقيق متطلبات البرنامج التفسيري، مثل نظام الرقابة الداخلية وتعليمات وقرارات الإدارة). واستناداً إلى ذلك، يعتمد فهم الآثار الناجمة عن التزام أي منظمة باتباع أنظمة جديدة مفروضة عليها من جهات خارجية على قدرة هذه الأنظمة الجديدة في إحداث خلل في ترابط وانسجام هذه المستويات الثلاثة. وأخيراً يفرق النموذج المستخدم بين مستويين رئيسيين من التغييرات. ففي حين يترتب عن حدوث التغيير من المستوى الأول إخلال بمكونات النظم المساندة وآليات التوجيه مع عدم تأثر في مكونات البرنامج التفسيري، يترتب عن حدوث التغيير من المستوى الثاني إخلال بمكونات البرنامج التفسيري بالإضافة إلى مكونات النظم المساندة وآليات التوجيه. حدوث هذا المستوى الثاني من التغيير قد يكون عائداً إلى تطور طبيعي ومقبول في مكونات البرنامج التفسيري أدى بدوره إلى تطور طبيعي ومقبول في مكونات كل من النظم المساندة وآليات التوجيه، أو عائداً إلى تغيير غير مقبول ومفروض قصراً على مكونات كل من النظم المساندة وآليات التوجيه بهدف إحداث تغيير غير ملائم على مكونات البرنامج التفسيري.

وقد سبق الإشارة في مقدمة هذا البحث إلى أن الحصول على ترخيص مزاولة المهنة في المملكة بموجب المادة الثانية من نظام المحاسبين القانونيين لعام 1412هـ/1991م أصبح مقصوراً على المواطنين السعوديين بشرط توافر المستوى المطلوب من التأهيل الأكاديمي والمهني والعملي. وجاء في عدد من مواد النظام المذكور ولائحته التنفيذية نصوص تقتضى وجوب التزام مكاتب المراجعة والقائمين عليها من المحاسبين القانونيين في المملكة بمجموعة من التعليمات المرتبطة بسعودة مهنة مراجعة الحسابات، شملت: وجوب التزام المحاسب القانوني المرخص له فرداً كان أو شركة مهنية توظيف نسبة من السعوديين لا تقل عن 20% من مجموع موظفيه الفنيين؛ وسريان صلاحية التراخيص الصادرة قبل نفاذ النظام للمحاسبين القانونيين الغير سعوديين أفراداً كانوا أو شركات شريطة الالتزام بالمزاولة الفعلية للمهنة والإقامة في المملكة مدة لاتقل عن تسعة أشهر في السنة مع مشاركة محاسب أو أكثر من المحاسبين القانونيين السعوديين على أن لا تقل نسبة مشاركة السعوديين في كل شركة عن 25% من رأس المال؛ وجواز التعاون بين المحاسبين القانونيين السعوديين المرخص لهم بمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة والمحاسبين القانونيين غير السعوديين غير المرخص لهم بمزاولة المهنة في المملكة شريطة أن يكون المحاسب غير السعودي مرخصاً له بمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة في بلده الأساسي وأن يوقعا عقد تعاون بينهما وفقاً للنموذج المعتمد من قبل الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين على أن يراعى التأكيد في ذلك العقد على مسؤولية المحاسب القانوني السعودي في مواجهة العملاء.

تشير بيانات الدراسة الميدانية إلى أن التزام مكاتب المراجعة محل البحث بتطبيق الأنظمة المذكورة أعلاه من المنتظر أن يؤدي في جميع الأحوال إلى حدوث تغيير من المستوى الثانى يترتب عنه إخلال بمكونات البرنامج التفسيري بالإضافة إلى مكونات النظم المساندة وآليات التوجيه لهذه المكاتب. وتشير بيانات الدراسة الميدانية أيضاً إلى محدودية إمكانية اعتبار هذا التغيير ناتجاً عن حدوث تطورات طبيعية ومقبولة في مكونات هذه المستويات. فالغالبية العظمى من العاملين والقائمين على المكاتب محل البحث             أكدوا على استيائهم وعدم رضاهم بجميع متطلبات أنظمة السعودة المفروضة. تركيزنا في هذا القسم سيكون منصباً على تحليل حدوث أو امكانية حدوث تغيير من المستوى الثاني في مكاتب المراجعة محل البحث نتيجة التزامها بتطبيق الأنظمة المذكورة أعلاه.

العناصر المكونة للبرنامج التفسيري في مكاتب المراجعة محل البحث استناداً إلى البيانات التي أفرزتها الدراسة الميدانية يمكن تصنيفها إلى ثلاث مستويات أساسية تعكس تفاوت هذه العناصر في درجة الأهمية ومدى التأثر بالأنظمة المفروضة. المستوى الأول يتضمن رسالة المكتب والتي تمثل الأساس الذي تم الاعتماد عليه في صياغة أهداف المكتب وتحديد مفاهيم وأنظمة العمل الأساسية. جوهر هذه الرسالة يتعلق بشعارات مهنية تقليدية تتمحور تحديداً حول السعي لخدمة جميع فئات المستفيدين من الخدمات المهنية والمجتمع بصفة عامة من خلال استخدام المعرفة التي يمتاز بها أعضاء المهنة في تقديم خدمات مهنية عالية المستوى. رسوخ مثل هذه الشعارات في مضامين رسالات المكاتب المهنية يعد أحد العوامل الهامة التي ساهمت بشكل مباشر في إبراز أهمية المحاسبة والمراجعة كمهنة، وتوسيع نطاق ممارستها وتكوين الاعتقاد السائد لدى أعضاء المهنة بأن ما يحضون به من معرفة مهنية تميزهم عن باقي فئات المجتمع كفيل بأن يضمن لهم حق كسب ثقة الدولة والمجتمع بصفة عامة.

المستوى الثاني من البرنامج التفسيري للمكاتب محل البحث يتمثل في أسباب الوجود والتي غالباً ما تعكسها أهداف هذه المكاتب. وتعد المقدرة على تحقيق هامش مقبول من الربح في ظل تقديم مستوى مقبول من الأداء المهني السبب الرئيسي لوجود المكاتب الأربعة محل الدراسة، مع مراعات التفاوت بين هذه المكاتب في تفسير ما يمكن اعتباره ربحاً أو مستوى أداء مهني "مقبول". خصوصية المكاتب المهنية من هذا المنطلق تعتمد بشكل مباشر على ما يكتنف مضمون أهداف هذه المكاتب من غموض. فعملية التقدير والمفاضلة بين نطاق ما يمكن اعتباره ربحاً "مقبولاً" من جهة ومستوى أداء مهني "مقبول" من جهة أخرى تظل عملية نسبية تعتمد بشكل كبير على عوامل غير مرئية نابعة من الجذور الثقافية والاجتماعية لكل مكتب. بعبارة أخرى، هناك صعوبة في فهم مدى ارتباط الارتقاء بكل من مستوى الأرباح ومستوى الأداء المهني وتحديد أيهما يمثل الهدف الحقيقي وأيهما يمثل العائق. فقد يكون سبب وجود المكاتب متمثلاً في العمل على تحقيق أكبر قدر من الأرباح بشرط الحفاظ على مستوى معين من الأداء المهني، أو العمل للوصول الى أعلى مستوى من الأداء المهني بشرط تحقيق قدر معين من الأرباح. وعلى الرغم من ذلك يظل هناك تناغم شكلي ظاهر بين أسباب وجود المكاتب ومضامين رسالتها وأهدافها. فأهداف المكاتب المعلنة على الرغم من تعددها وتنوعها تتمحور حول تلبية ما يقتضيه مفهوم سبب الوجود المذكور والذي يتلاءم بدوره مع مضمون الرسالة الموضح أعلاه.

المستوى الثالث والأخير من البرنامج التفسيري للمكاتب محل البحث تضمن الأسس التي تحكم الأنشطة الأساسية التي تزاولها هذه المكاتب. مكونات هذه الأسس - استناداً إلى بيانات الدراسة الميدانية - يمكن تحديدها في أربعة عناصر رئيسية تشمل: أولاً، سياسات التوظيف والترقيات؛ وثانياً، أنواع الخدمات المهنية التي يقوم المكتب بتقديمها؛ وثالثاً، سياسات التعامل مع العملاء؛ ورابعاً وأخيراً، مستويات الحرية المتاحة في إصدار الأحكام والتقديرات المهنية لأعضاء المكتب من المهنيين. وعلى الرغم من الطبيعة المتداخلة لجميع مكونات البرنامج التفسيري في مستوياتها الثلاث إلا أن الملحوظ أن التأثير المباشر لأنظمة السعودة المفروضة على مكونات هذا البرنامج في مكاتب المراجعة محل البحث اقتصر فقط على سياسات التوظيف والترقيات كأحد العناصر المكونة للمستوى الثالث من هذا البرنامج، مما يعكس حساسية ومدى أهمية العناصر المكونة للمستويين الأول والثاني من البرنامج التفسيري في الحفاظ على تماسك المكاتب وضمان بقائها واستمرارها.

التزام مكاتب المراجعة محل البحث بتطبيق أنظمة السعودة المفروضة واكبه عدد من المشاكل المرتبطة في كيفية التعامل مع الأسس التي تحكم الأنشطة الأساسية التي تزاولها هذه المكاتب. فالتمييز النظامي للمواطنين والذي اقتضته الأنظمة المذكورة نتج عنه مزيد من الضغوط، ليس فقط على القائمين على المكاتب (الملاك والشركاء) بسبب وجوب إحداث تعديل على السياسات المستخدمة خاصةً فيما يتعلق بالتوظيف والترقيات، وإنما أيضاً على جميع المهنيين العاملين بهذه المكاتب (بمن فيهم السعوديون وغير السعوديين) بسبب ما ترتب أو قد يترتب عن تطبيق هذه الأنظمة من آثار خاصةً على أدوار ووظائف المهنيين في كل مكتب ومراتبهم المهنية وطبيعة التنافس بينهم وعلاقاتهم مع بعض ومع الغير. تكمن أهمية هذا التمييز النظامي بالنسبة للمهنيين السعوديين في ما ينتظر أن يترتب عنه من إحداث تطوير إيجابي في أوضاعهم بصفة عامة داخل المكاتب التي يعملون بها، خاصةً وأنهم أصبحوا بموجب هذه الأنظمة المؤهلين دون غيرهم في الحصول على التراخيص النظامية لمزاولة المهنة في المملكة. هذا الشعور يبرر مدى التأييد الذي أظهره أصحاب هذا التوجه - خلال مراحل إجراء الدراسة الميدانية - تجاه متطلبات الأنظمة المفروضة. تفاؤل المهنيين السعوديين تجاه ما قد يترتب عن التزام مكاتبهم بتطيق جميع متطلبات الأنظمة المفروضة لم يقتصر على إمكانية تحسين مميزاتهم وضماناتهم الوظيفية الحالية، وإنما أيضاً على زيادة حظوظهم في الحد من نطاق سيطرة المهنيين الغير سعوديين على هذه المكاتب كنتيجة طبيعية لزيادة فرص وصولهم إلى مراتب عليا مؤثرة بشكل أسرع. وللأهمية فإن تقييم قدرة هذا الفريق من المهنيين السعوديين في إعادة صياغة مضامين مكونات البرنامج التفسيري في مكاتبهم على المدى الطويل تتطلب مزيداً من البحث والمتابعة.

هذا التمييز النظامي في المقابل يمثل بلا شك عائقاً أمام المهنيين الغير سعوديين. جسامة هذا العائق بالنسبة لهذه الفئة التي تشكل الغالبية العظمى لا يقتصر فقط على ما قد ينتج عنه من تقليص في الأدوار والمسئوليات وإنما أيضاً على تحجيم عدد من المظاهر التقليدية المتأصلة داخل مكاتب المراجعة. ففقدان المهنيين الغير سعوديين لفرص الحصول على التراخيص النظامية لمزاولة المهنة في المملكة سيحد بلا شك من الطموح المهني المشروع لكل مهني في بلوغ مرتبة الشريك في يوم ما بالمستقبل. كما أن تمييز فئة عن فئة لأسباب عرقية سيحدث خللاً في العلاقة التقليدية بين عامل الخبرة في المكاتب والمرتبة الوظيفية لكل مهني، والتي تقتضي أن يكون لدى الملاك والشركاء القدرة على استيعاب القضايا المهنية والتأقلم معها والتأثير على ثقافة مكاتبهم بشكل أكبر من مدراء المراجعة والمراجعين القدماء والمبتدئين. إذاً جسامة ما قد يترتب عن التزام مكاتب المراجعة بتطبيق أنظمة السعودة المفروضة من آثار خاصةً تلك التي تمس الهوية التقليدية للمكاتب تبرر مشاعر الحزن والإحباط التي طغت على أصحاب هذا التوجه      - خلال مراحل إجراء الدراسة الميدانية - في بيان رفضهم التام لجميع متطلبات الأنظمة المفروضة.
يتضح مما سبق أن حدوث تغيير من المستوى الثانى سيصاحب التزام مكاتب المراجعة محل البحث بتطبيق أنظمة السعودة المفروضة. طبيعة هذا التغيير تتطلب إجراء بعض التعديلات على النموذج النظري المستخدم، على الرغم من الفاعلية الكبيرة التي أظهرها هذا النموذج عملياً في تلمس وإبراز كافة الأمور المرتبطة بالموضوع محل البحث. فالبيانات التي أظهرتها الدراسة الميدانية تشير فيما يتعلق بمدى تقبل الآثار الناجمة عن التزام مكاتب المراجعة في المملكة بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة إلى وجود تضارب في وجهات النظر بين فريقين رئيسيين من أعضاء المكاتب محل البحث هما المهنيون السعوديون والمهنيون غير السعوديين، كنتيجة طبيعية لوجود تضارب مماثل ومتأصل في مستويات البرنامج التفسيري حول مدى تقبل ما يتضمنه هذا البرنامج من قيم ومبادئ وسياسات تحكم الأنشطة الأساسية التي تزاولها هذه المكاتب. هذا التضارب يحتم التمييز في تحديد طبيعة المستوى الثاني من التغيير والذي أحدثته الأنظمة المفروضة على المكاتب محل البحث. ففي حين يمكن اعتبار هذا التغيير بالنسبة للمهنيين السعوديين عائداً إلى وجود تطور طبيعي ومقبول في مكونات البرنامج التفسيري، يعد بالنسبة للمهنيين الغير سعوديين تغييراً غير مقبول ومفروضاً قصراً على مكونات هذا البرنامج. وللأهمية فإن محدودية وجود مثل هذا التضارب خاصةً وأنه لا يصل إلى العناصر المكونة للمستويين الأول والثاني من البرنامج التفسيري تبرر بقاء واستمرار المكاتب في ظل وجود خلاف بين آراء منسوبي هذه المكاتب حول أثر تطبيق أنظمة السعودة المفروضة عليهم وعلى مكاتبهم. بقاء واستمرار المكاتب إذاً يعود بشكل مباشر إلى عدم تأثر القناعات المشتركة للمهنيين العاملين في المكاتب محل البحث والمرتبطة تحديداً بأهمية المعرفة والخدمات المهنية التي تقدمها مكاتبهم خاصةً وأن هذه المكاتب لاتزال قادرة على تحقيق الأرباح.

التعديل المقترح على النموذج النظري المستخدم يكمن إذاً في عدم اشتراط التسليم في جميع الأحوال بوجود انسجام في آراء العاملين في منشأة معينة حول كل ما يعكسه برنامجها التفسيري من قيم ومبادئ وسياسات تحكم الأنشطة الأساسية التي تزاولها هذه المنشأة. واستناداً إلى ذلك يجدر بنا التأكيد على أهمية البيانات الميدانية بالنسبة للنموذج النظري المستخدم خاصةً فيما يتعلق بتوضيح المفاهيم النظرية التي يتبناها هذا النموذج. فالبيانات الميدانية المستخرجة من بيئة محددة هي وحدها التي تجعل مثل هذه المفاهيم النظرية ذات معنى واضح. هذا المعنى يختلف بالطبع مع اختلاف بيئة البحث وطبيعة ودرجة تعقيد البيانات الميدانية المستخرجة.

ختاماً يجدر بنا التأكيد على أهمية دور العناصر المكونة لكل من النظم المساندة وآليات التوجيه لإتمام حدوث المستوى الثاني من التغيير في مكاتب المراجعة محل البحث. فالتغيير الذى طرأ أو من المنتظر أن يطرأ على سياسات التوظيف والترقيات المستخدمة والتي تعد أحد مكونات البرنامج التفسيري لهذه المكاتب يتطلب بشكل أساسي حدوث تغييرات ملائمة في ما تتضمنة مستويات النظم المساندة وآليات التوجيه من مكونات ذات علاقة. وبهذا الخصوص يجدر بنا التمييز في وصف آلية حدوث التغيير بين كل من الفئة المؤيدة والفئة المعارضة. فبالنسبة للمهنيين السعوديين (الفئة المؤيدة) يمكن اعتبار حدوث تغييرات في مستويات النظم المساندة وآليات التوجيه تطورات طبيعية ومقبولة ناجمة عن حدوث تطورات طبيعية ومقبولة في مكونات البرنامج التفسيري. أما بالنسبة للمهنيين الغير سعوديين (الفئة المعارضة) فالتغيير الذي حدث أو من المنتظر حدوثه على مكونات البرنامج التفسيري لمكاتبهم يعد أساساً تغييراً غير مقبول ومفروضاً قصراً ومن ثم فإن حدوثه يجب أن يسبقه تغييرات غير مقبولة ومفروضة قصراً على مكونات كل من النظم المساندة وآليات التوجيه.

لتوضيح ذلك نتطرق إلى أثر الأنظمة المفروضة على مكونات كل من النظم المساندة وآليات التوجيه في مكاتب المراجعة محل البحث. إلتزام المكاتب بتطبيق أنظمة السعودة المفروضة وما ترتب عنه من أثر مباشر على سياسات التوظيف والترقيات التي تطبقها هذه المكاتب واكبه حدوث تغييرات مرتبطة بآليات التوجيه في هذه المكاتب تتعلق تحديداً بقرارات إدارية مرتبطة بضرورة إيجاد بدائل وحلول مرضية لتخفيف وطأة أثر هذه الأنظمة على منسوبي المكاتب الحاليين من المهنيين الغير سعوديين وتعويضهم عن القيود والأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم جراء التزام مكاتبهم بتطبيقها، بالإضافة إلى تغييرات أخرى مرتبطة بالنظم المساندة المستخدمة في هذه المكاتب مثل تعريب دليل المراجعة المستخدم وتقليص نطاق استخدام اللغة الانجليزية في وسائل الاتصال والمتابعة وتوفير برامج تدريبية مكثفة للمستجدين من المهنيين السعوديين وإدخال تحسينات على أجواء ومناخ العمل. هذه التغييرات في مكونات النظم المساندة وآليات التوجيه تعد بالنسبة لمنسوبي المكاتب من المهنيين الغير سعوديين أساسية لإحداث تغيير لاحق على سياسات التوظيف والترقيات، في حين تعد بالنسبة للمهنيين السعوديين نتيجة طبيعية تتبع ما طرأ على سياسات التوظيف والترقيات المستخدمة من تغيير.
 

5- خلاصة وخاتمة

اعتمد هذا البحث على منهج نظري مستمد من أدبيات دراسة التغيير في المنظمات تم تطويره بواسطة      (1991) Laughlin، و(1996) Broadbent and Laughlin في كشف وتحليل طبيعة ونطاق التغييرات التي طرأت أو من المنتظر أن تطرأ على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة العربية السعودية نتيجة التزامها بتطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة. وتكمن أهمية هذا البحث في أهمية تكوين أساس يمكن الاعتماد عليه مستقبلاً في تقويم متطلبات الأنظمة المفروضة. نتائج هذا البحث مستمدة من دراسة ميدانية نوعية في طبيعتها تم اجراؤها على أربعة مكاتب مراجعة مختارة من بيئة مهنة مراجعة الحسابات في المملكة. نتائج هذه الدراسة تشير إلى ما يلي:
1-   أن التزام مكاتب المراجعة محل البحث بتطبيق أنظمة السعودة المفروضة من شأنه أن يؤدي في جميع الأحوال إلى حدوث تغيير من المستوى الثانى يترتب عنه إخلال ببعض مكونات البرنامج التفسيري (الأمور الغير ملموسة والتى غالباً ما تشكل الأساس الذي يقوم عليه المكتب، مثل رسالة المكتب وأسباب وجوده والأسس التي تحكم أنشطته الأساسية) بالإضافة إلى بعض مكونات النظم المساندة (الأمور المادية الملموسة والتي يفترض أن تستخدم أو يتم توظيفها في ضوء متطلبات البرنامج التفسيري، مثل البرامج التدريبية ودليل المراجعة) وآليات التوجيه (الأدوات الرقابية والتي من المفترض أن تستخدم في التأكد من أن النظم المساندة تعمل بشكل مناسب وملائم لتحقيق متطلبات البرنامج التفسيري، مثل نظام الرقابة الداخلية وتعليمات وقرارات الإدارة) لهذه المكاتب.
2-   أن طبيعة هذا التغيير تتطلب إجراء بعض التعديلات على النموذج النظري المستخدم، على الرغم من الفاعلية الكبيرة التي أظهرها هذا النموذج عملياً في تلمس وإبراز كافة الأمور المرتبطة بالموضوع محل البحث. فالبيانات التي أظهرتها الدراسة الميدانية تشير فيما يتعلق بمدى تقبل ما ترتب عن التزام مكاتب المراجعة محل البحث بتطبيق الأنظمة المفروضة من أثر مباشر على سياسات التوظيف والترقيات إلى وجود تضارب في وجهات النظر بين فريقين رئيسيين من أعضاء المكاتب محل البحث هما المهنيون السعوديون والمهنيون غير السعوديين، كنتيجة طبيعية لوجود تضارب مماثل ومتأصل في مستويات البرنامج التفسيري حول مدى تقبل ما يتضمنه هذا البرنامج من قيم ومبادئ وسياسات تحكم الأنشطة الأساسية التي تزاولها هذه المكاتب.
3-   هذا التضارب يحتم التمييز في تحديد طبيعة المستوى الثاني من التغيير والذي أحدثته الأنظمة المفروضة على المكاتب محل البحث. ففي حين يمكن اعتبار هذا التغيير بالنسبة للمهنيين السعوديين عائداً الى وجود تطور طبيعي ومقبول في مكونات البرنامج التفسيري، يعد بالنسبة للمهنيين الغير سعوديين تغييراً غير مقبول ومفروضاً قصراً على مكونات هذا البرنامج. وللأهمية فإن محدودية وجود مثل هذا التضارب خاصةً وأنه لا يصل إلى جميع العناصر المكونة للبرنامج التفسيري تبرر بقاء واستمرار المكاتب في ظل وجود خلاف بين آراء منسوبي هذه المكاتب حول أثر تطبيق أنظمة السعودة المفروضة عليهم وعلى مكاتبهم. بقاء واستمرار المكاتب يعود بشكل مباشر إلى عدم تأثر القناعات المشتركة للمهنيين العاملين في المكاتب محل البحث والمرتبطة تحديداً بأهمية المعرفة والخدمات المهنية التي تقدمها مكاتبهم خاصةً وأن هذه المكاتب لاتزال قادرة على تحقيق الأرباح.

في ختام هذا البحث واستناداً إلى النتائج المذكورة أعلاه، نورد فيما يلي عدداً من التوصيات التي تم التوصل إليها بعد إتمام مراحل تنفيذ الدراسة الميدانية المقدمة في هذا البحث:
1-   التأكيد على أهمية تحديث النتائج التي أظهرتها الدراسة الميدانية المقدمة في هذا البحث بشكل مستمر، وذلك من خلال متابعة البحث حول الآثار الناجمة عن تطبيق أنظمة مرتبطة بسياسة السعودة على مكاتب المراجعة التي تعمل في المملكة. أهمية هذا التحديث لا يقصد بها التقليل من صلاحية وإمكانية الاعتماد على النتائج الحالية بقدر ما هي تأكيد على قابلية هذه النتائج للتغيير في المستقبل. فالوقت وحده كفيل بتغيير مثل هذه النتائج، فضلاً عن محدودية إمكانية الجزم - في الوقت الراهن على الأقل- باكتمال ودقة البيانات الميدانية التي تستند عليها هذه النتائج.
2-   التأكيد على أهمية توظيف أطر نظرية نقدية وأساليب بحث نوعية في إجراء البحث الميداني المرتبط بمكاتب المراجعة وعلاقتها بالأجهزة القائمة على تنظيم وإدارة المهنة بصفة عامة. فأهمية ذلك لا تقتصر فقط على محدودية عدد مثل هذه الدراسات خاصةً المرتبط منها ببيئة المراجعة في المملكة، وإنما أيضاً على فاعلية ما تتيحه مثل هذه الأطر والأساليب من أدوات في تلمس جميع الجوانب المرتبطة بالظواهر محل البحث مما يزيد بالتالي في جدية وواقعية ما يتم التوصل إليه من نتائج حول تلك الظواهر.


الهوامش

1- نص نظام ضريبة الدخل لعام 1370هـ (1950م) في مادته السادسة عشرة على اعتبار البيانات المحاسبية المقدمة من قبل دافعي الضرائب سليمة إذا تمت مراجعتها من قبل مراجع معترف به دولياً.

2- يعود ذلك إلى غياب النظام والجهاز الخاص بتنظيم ممارسة المهنة، مما أدى إلى أن تكون تلك الممارسة متروكة بالكامل لاجتهادات ورغبات الممارسين والذين تتفاوت خلفياتهم الأكاديمية والعملية. هذا الغياب للنظام والجهاز التنظيمي بالإضافة إلى صعوبة وجود هوية مشتركة لأساليب ممارسة مهنة المراجعة في المملكة يعودان بدورهما إلى محدودية أحجام وأشكال الأنشطة الاقتصادية لتلك الفترة بالإضافة إلى غياب التعليم المحاسبي وتأخر عملية التطور الاقتصادي بشكل عام.

3- شملت تلك المعايير أهداف ومفاهيم المحاسبة ومعيار العرض والإفصاح العام وسبعة معايير مراجعة تضمنت معيار التأهيل المهني الكافي، ومعيار الحياد والموضوعية والاستقلال، ومعيار العناية المهنية اللازمة، ومعيار التخطيط، ومعيار الرقابة والتوثيق، ومعيار أدلة وقرائن المراجعة، ومعيار التقارير.

4- ترتبط هذه الجهود بمشروع "تطوير مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة" والذي تم تنفيذه بواسطة مكتب عبدالعزيز الراشد محاسبون ومراجعون قانونيون بتمويل من وزارة التجارة.
                                                                                               


المراجع العربية

المراجع الأولية
أخبار الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، نشرة ربع سنوية تصدر عن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، الأعداد من 1 إلى 30.

القرار الوزاري رقم 929 وتاريخ 29-8-1416هـ (1995م) القاضي بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لنظام الشركات المهنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/4 وتاريخ 18-2-1412هـ (1991م).

أهداف ومفاهيم المحاسبة ومعيار العرض والإفصاح العام ومعايير المراجعة الصادرة بالقرار الوزاري رقم 852 بتاريخ 7/10/1410هـ (1989).

ندوات سبل تطوير المحاسبة في المملكة العربية السعودية، الأولى حتى التاسعة (1401هـ إلى 1423هـ). الرياض: قسم المحاسبة، جامعة الملك سعود.

نظام الزكاة والضرائب الصادر بالمرسوم الملكي رقم 17/2/28/3321 بتاريخ 21/1/1370هـ (1950م) وتعديلاته.

نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/6 بتاريخ 22/3/1385هـ (1965م) وتعديلاته.

نظام الشركات المهنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/4 وتاريخ 18-2-1412هـ (1991م) ولائحته التنفيذية.

نظام المحاسبين القانونيين الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/43 بتاريخ 13/7/1394هـ (1974م) وتعديلاته.

نظام المحاسبين القانونيين الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/12 وتاريخ 13/5/1412هـ (1991م) ولائحته التنفيذية.

الكتب والبحوث المنشورة
أحمد، إياد عبد الموجود (1404هـ)، "مراحل المحاسبة والعوامل المؤثرة في تطورها في المملكة العربية السعودية"، مجلة معهد الإدارة العامة، الرياض: معهد الإدارة العامة، العدد 42 شوال، ص ص. 175-199.
الجبر، نبيه عبد الرحمن وعبد المنعم، محمد علاء الدين (1420هـ)، "نحو إطار مقترح للعلاقة التأثيرية            لمعايير المحاسبة الدولية على الطبيعة النوعية لمعايير المحاسبة السعودية"، مجلة البحوث             المحاسبية، الرياض: جمعية المحاسبة السعودية، المجلد الثالث- العدد الثاني-محرم 1420هـ.

العنقري، حسام عبدالمحسن (1411هـ/ 2001م)، مراجعة الحسابات في المملكة العربية السعودية، الطبعة   الأولى (جدة: مطابع السروات). 

المطيري، عبيد سعد والعنقري، حسام عبدالمحسن (1423هـ) "الدور المستقبلي لمهنة المحاسبة والمراجعة السعودية في ضوء اتفاقيات منظمة التجارة العالمية"، مجلة الإدارة العامة، الرياض: معهد الإدارة العامة، المجلد 42، العدد 3، ص ص. 497-531.
 
المطيري، عبيد سعد ومتولي، طلعت عبد العظيم (2002)، "المناهج البحثية المعاصرة (التفسيري والنقدي) وغيابها عن البحوث العربية في المحاسبة"، المجلة العربية للمحاسبة، البحرين: جامعة البحرين، المجلد الخامس – العدد الأول – مايو 2002م.

الوابل، وابل علي (1410هـ)، "أسلوب بناء معايير المحاسبة: التجربة السعودية"، مجلة جامعة الملك سعود، الرياض: جامعة الملك سعود-قسم المحاسبة، المجلد 2، ص ص. 339-362.

جاد الله، صالح (1392هـ)، "تطور مهنة المحاسبة مع إشارة خاصة إلى المملكة العربية السعودية"، مجلة معهد الإدارة العامة، الرياض: معهد الإدارة العامة، العدد 14 جمادى الأولى، ص ص. 18-32.

طاحون، محمد عبد الحميد (1418هـ)، "نحو مدخل ملائم لوضع معايير المحاسبة في الدول النامية"، مجلة البحوث المحاسبية، الرياض: جمعية المحاسبة السعودية، المجلد 1، العدد 2، ص ص. 75-138.

المراجع الأجنبية

Abdeen, A.M. and Yavas, U. (1985), “Current Status of Accounting Education in Saudi Arabia”, The International Journal of Accounting, Vol. 20, No. 2, pp. 155-73.

Al-Angari, H. and Sherer, M. (2003), “The Implementation of Quality Review Programs on Audit Firms in Saudi Arabia: an Illustration of Change Processes in a Transitional Economy”, Faculty of Economics & Administration Journal, Approved for Publication, (Jeddah: King Abdulaziz University, 2003).

Benston, G.J. (1985), “The Market for Public Accounting Services: Demand, Supply and Regulation”, Journal of Accounting and Public Policy, Vol. 4, pp. 33-79.

Chua, W.F. (1986), “Radical Development in Accounting Thought”, The Accounting Review, Vol. LXI, No. 4, pp. 601-32.

Cullinan, C.P. and Sutton, S.G. (2002), “Defrauding the Public Interest: a Critical Examination of Reengineered Audit Processes and the Likelihood of Detecting Fraud”, Critical Perspectives on Accounting, Vol. 13, No. 3, pp. 297-310.

Hooks, K.L. (1991), “Professionalism and Self Interest: a Critical View of the Expectations Gap”, Critical Perspectives on Accounting, Vol. 3, No. 2, pp. 109-36.

Humphrey, C. (1997), “Debating Audit Expectations”, Chapter 1, pp. 3-30, in Sherer, M. and Turley, S. (eds.), Current Issues in Auditing, Third Edition, (London: Paul Chapman Publishing Ltd., 1997).

Laughlin, R. (1991), “Environmental Disturbances and Organisational Transitions and Transformations: Some Alternative Models”, Organisation Studies, Vol. 12, No. 2, pp. 209-32.

Laughlin, R. (1995), “Empirical Research in Accounting: Alternative Approaches and a Case for Middle Range Thinking”, Accounting, Auditing and Accountability Journal, Vol. 8, No. 1, pp. 63-87.

Laughlin, R. and Broadbent, J. (1996), The ‘Accounting Turn’ in Steering Media in Organisations and Society with Specific Reference to the Public Sector in the UK, (Colchester: University of Essex, Department of Accounting, Finance and Management, Working Paper, No. 96/03, 1996).

Lee, T.A. (1970), “The Nature of Auditing and its Objectives”, Accountancy, April, pp. 292-6.

Lowe, D. and Pany, K. (1995), “CPA Performance of Consulting Engagements with Audit Clients: Effects on Financial Statement Users Perceptions and Decisions”, Auditing: A Journal of Practice & Theory, Vol. 14, No. 2, pp. 35-53.
Miller, P.D. (1985), “The Conceptual Framework: Myths and Realities”, Journal of Accountancy, March, pp. 62-71.

Mitchell, A., Sikka, P. and Willmott, H. (2001), “Policing Knowledge by Invoking the Law: Critical Accounting and the Politics of Dissemination”, Critical Perspectives on Accounting, Vol. 12, No. 5, pp. 527-55.

Neu, D., Cooper, D.J. and Everett, J. (2001), “Critical Accounting Interventions”, Critical Perspectives on Accounting, Vol. 12, No. 6, pp. 735-62.

Shinawi, A.A. and Crum, W.F. (1971), “The Emergence of Professional Accounting in Saudi Arabia”, The International Journal of Accounting, Vol. 6, No. 2, pp. 103-10.

Sikka, P. (1997), “Regulating the Auditing Profession”, Chapter 7, pp. 129-45, in Sherer, M. and Turley, S. (eds.), Current Issues in Auditing, Third Edition, (London: Paul Chapman Publishing Ltd., 1997).

Sikka, P. (2001), “Regulation of Accountancy and the Power of Capital: Some Observations”, Critical Perspectives on Accounting, Vol. 12, No.2, pp. 199-211.

Sikka, P. (2002), “The Politics of Restructuring the Standard Setting Bodies: the Case of the UK’s Auditing Practices Board”, Accounting Forum, Vol. 26, No. 2, pp. 97-134.

Sikka, P., Puxty, T., Willmott, H. and Cooper, C. (1992), Certified Accountants Research Report 28: Eliminating the Expectation Gap?, (London: The Chartered Association of Certified Accountants, 1992). 

Turley, S. and Sherer, M. (1991), “Regulating the Auditing Profession”, Chapter 4, pp. 47-59, in Sherer, M. and Turley, S. (eds.), Current Issues in Auditing, Second Edition, (London: Paul Chapman Publishing Ltd., 1991).















[1] نص نظام ضريبة الدخل لعام 1370ه (1950م) في مادتة السادسة عشرة على اعتبار البيانات المحاسبية المقدمة من قبل
  دافعي الضرائب سليمة اذا ما كان قد تمت مراجعتها من قبل مراجع معترف به دوليا.

[2] يعود ذلك الى غياب النظام والجهاز الخاص بتنظيم ممارسة المهنة، مما أدى الى أن تكون تلك الممارسة متروكة بالكامل
  لاجتهادات ورغبات الممارسين والذين تفاوتت خلفياتهم الأكاديمية والعملية. هذا الغياب للنظام والجهاز التنظيمي بالاضافة الى
  صعوبة وجود هوية مشتركة لأساليب ممارسة مهنة المراجعة في المملكة كان عائدا بدوره الى محدودية أحجام وأشكال
  الأنشطة الاقتصادية لتلك الفترة بالاضافة الى غياب التعليم المحاسبي وتأخر عملية التطور الاقتصادي بشكل عام.

[3] شملت تلك المعايير أهداف ومفاهيم المحاسبة ومعيار العرض والافصاح العام وسبعة معاييرمراجعة تضمنت معيار التأهيل
  المهني الكافي، ومعيار الحياد والموضوعية والاستقلال، ومعيار العناية المهنية الازمة، ومعيارالتخطيط، ومعيار الرقابة
  والتوثيق، ومعيار أدلة وقرائن المراجعة، ومعيار التقارير.

[4] ترتبط هذه الجهود بمشروع "تطوير مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة" والذي تم تنفيذه بواسطة مكتب عبدالعزيز الراشد
  محاسبون ومراجعون قانونيون بتمويل من وزارة التجارة.
                                                                                               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق